عجيب أمر هؤلاء الوهابية، إذا أرادوا شتم شخص قالوا له “يا أشعري” وهذا مشهور معروف، ثم بعد ذلك يقولون الأشعري كان مجسماً مثلنا – أي مثلهم – والعياذ بالله من هذا الخزي والتناقض.
كذبُهم فضحهم، فالأشعري إمام أهل السنة والجماعة لم يكن يوماً على عقيدة التجسيم والتشبيه رحمه الله، وهو رضي الله عنه: أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بُردَة عامر ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري. ولد رحمه الله سنة ستين ومائتين بالبصرة، وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، في بغداد.
كان أبو الحسن الأشعريّ سنيًّا من بيت سنّة ثم درسَ الاعتزالَ على زوج أمه أبي عليّ الجُبّائي ثم تاب ورقيَ كرسيًّا في المسجد الجامع بالبصرةِ يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإنّي أعرّفه بنفسي، أنا فلان بن فلان.. وأنا تائب مقلع، معتقد للردّ على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم. قال الفقيه أبو بكر الصَّيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السَّماسم.
وقد استفاد من الأشعري خلق كثير من أكابر العلماء وفحول الأئمة فتأدبوا بآدابه وسلكوا مسلكه في الأصول واتبعوا طريقته في الذب عن الدين ونصرة أهل السنة، إذ كان فضل المقتدي يدل على فضل المقتدى به، وهم من أعيان الأئمة ومشاهير القوم وقد ذكرهم مؤرخ الشام وحافظها أبو القاسم ابن عساكر في كتابه الذي ألفه في الدفاع عن الشيخ أبي الحسن الأشعري مع ذكر مناقبه ومؤلفاته وثناء الأمة عليه، يدلّ ذلك على كذب ما ادعته الوهابية من أن الإمام الأشعري كان على طريقتهم والعياذ بالله، فكل من مارس شيئاً من العلم يعرف أن علماء الأشاعرة الأكابر كالجويني والحليمي والبيهقي كانوا على التنزيه لله عز وجل، على عكس الوهابية المشبهة لله بخلقه.
وقد أفرد قاضي القضاة الشيخ تاج الدين ابن الإمام قاضي القضاة تقي الدين السبكي فصلاً خاصًّا بذكر أكابر المنتسبين إلى الشيخ أبي الحسن في أثناء ترجمته في كتابه طبقات الشافعية. وقد افتتح ترجمته بقوله: “شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين سعيًا يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، إمام حبر، وتقي برّ، حمى جناب الشرع من الحديث المفترى، وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصرًا مؤزرًا، وما برح يدلج ويسير وينهض بساعد التشمير حتى نقَّى الصدور من الشُّبه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ووقى بأنوار اليقين من الوقوع في ورطات ما التبس فلم يترك مقالاً لقائل وأزاح الأباطيل، والحقُّ يدفع تُرَّهاتِ الباطل”.
وقال الأستاذ أبو اسحاق الإسفراييني “كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الباهلي كقطرة في جنب بحر”، وسمعت الباهلي يقول “كنت في جنب الأشعري كقطرة في جنب البحر”، وقال لسان الأمة القاضي أبو بكر الباقلاني “أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن”.
وقال كذلك أي التاج السبكي في طبقات الشافعية أثناء ترجمة الإمام الأشعري ما نصه: “ذكر بيان أن طريقة الشيخ – يعني الأشعري – هي التي عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام، والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. قدمنا في تضاعيف الكلام ما يدل على ذلك، وحكينا لك مقالة الشيخ ابن عبد السلام ومن سبقه إلى مثلها، وتلاه على قولها حيث ذكروا أن المالكية والشافعية والحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون، هذه عبارة ابن عبد السلام شيخ الشافعية، وابن الحاجب شيخ المالكية، والحصيري شيخ الحنفية، ومن كلام ابن عساكر حافظ هذه الأمة الثقة الثبت: هل من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق للأشعري ومنتسب له وراض بحميد سعيه في دين الله، مثنٍ بكثرة العلم عليه غير شرذمة قليلة تضمر التشبيه (انظر إلى قوله تضمر التشبيه)، وتعادي كل موحد يعتقد التنزيه، أو تضاهي قول المعتزلة في ذمه، وتباهي بإظهار جهلها بقدر سعة علمه.ا.هـ.
قال مرتضى الزبيدي رحمه الله في الإتحاف ما نصه: إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية.ا.هـ.
وهذا الكلام الموجز يكفي العاقل الفهيم، وأما المعاند فلا يكفيه أضعاف أضعافه والحمدلله على ما أنعم ظاهره وباطنه. وأما الطاعن في الأشعرية والأشعرية أكثر الأمة وجلّ علمائها ومعهم كثير من علماء الحنفية الماتريدية رحمهم الله، فلزيغ في قلبه وضغينة على أهل السنة نصرهم الله تعالى