سؤال: ما حكم لبس الحرز من القرآن؟
الجواب: يجوز حمل الورقة مثلاً من القرآن بنية الحفظ بإذن الله، السلف قالوا يجوز. وأما المجسّمة نفاة التوسل الذين يحرّمون تعليق الحروز فيها القرآن أو ذكر الله، فهؤلاء أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم يحرّمون ما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم من تعليق ولبس الحروز التي فيها ذكر الله تعالى، ولا دليل لهم في ذلك التحريم.
ودليل أهل السنة والجماعة على جواز لبس الحرز الذي فيه شيء من القرآن أو من أسماء الله الحسنى قول الله تعالى: “ونُنَزِّلُ مِنَ القُرءانِ ما هو شِفاءٌ ورحمَةٌ للمؤمنين” (الاسراء، 82).
وقال عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: “كنَّا نُعَلِّمُ صبياننا الآياتِ من القرآن، ومن لم يَبلُغْ نكتبها على ورقة ونُعَلِّقُها على صدره” رواه الترمذي، وانظر إلى قول الصحابي ابن الصحابي يقول كنا أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعلهم مجمع على جوازه إجماعاً سكوتياً على مرّ عصور أمة الإسلام لم ينتقدهم فيه سنّي.
شرح زائد:
روى أبو داود “إنَّ الرُّقى والتمائم والتِّوَلة شرك”، هذا ليس المراد منه الحرز الذي فيه قرآن أو ذكر الله، ففرق كبير في اللغة العربية بين أن يقال تميمة ويقال قرآن.
وفي فتح الباري شرح البخاري يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: “هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه. فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه، فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره”، ومثله في الزرقاني على شرح الموطأ.
قال الأزهري في تهذيب اللغة: التَّمائم واحدتها تميمةٌ وهي خَرَزَات كانت الأعراب (يعني الكفار من أهل البادية في الجاهلية) يُعلقونها على أولادهم يَتَّقون بها النَّفْس والعَيْن بزعمهم، وهو باطل..، وجعلها ابن مسعود من الشرك لأنهم جعلوها وَاقية من المقادير والموت، فكأنهم جعلوا لِلَّهِ شريكاً فيما قَدَّر وكتب من آجال العباد والأعراض التي تصيبهم. اهـ.
فمن جعل القرآن من جملة التمائم فهو جاهل ضال، كيف يجرؤ على تشبيه كتاب الله وما يعتقده فيه المسلمون من البركة مثل خرزات كفار الجاهلية، أيّ خبث هذا!!
قال ابن منظور رحمه الله في لسان العرب: “وفـي الـحديث: مَنْ عَلَّق تَمِيمةً فلا أَتَمَّ اللَّه له؛ ويقال: هي خَرزة كانوا يَعْتَقِدون أَنها تَمَامُ الدَّواء والشِّفاء، قال: وأَمّا الـمَعاذاتُ إذا كُتِب فـيها القرآن وأَسماءُ اللَّه تعالى فلا بأْسَ بها”، هذا كلام أهل اللغة من أهل العلم.
أما من شبه فعل الصحابة بفعل مشركي البوادي من أهل الجاهلية، فهذا لا هو وافق اللغة ولا هو وافق دين الله تعالى.
وفي السنن الكبرى للبيهقي رحمه الله قال: كانَ سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ يَأْمُرُ بتعليقِ القرآنِ، وقالَ: لا بأسَ بِهِ. قال الشيخ (البيهقي) رحمه الله: وهَذَا كُلُّهُ يرجعُ إلى ما قُلْنَا من أنهُ إِنْ رَقَى بما لا يُعْرَفُ أو على ما كانَ من أهلِ الجاهليةِ من إضافةِ العافيةِ إلى الرُّقَى لم يَجُزْ، وإِنْ رَقَى بكتابِ الله أو بما يُعْرَفُ من ذِكْرِ الله متبركاً بِهِ وهو يَرَى نزولَ الشفاءِ من الله تَعَالى، فلا بأسَ بِهِ، وبالله التوفيقُ.
وفيه كذلك أن سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ (وهو مجتهد من تلامذة ابن عباس رضي الله عنهم) كانَ يَكْتُبُ لابْنِهِ المَعَاذَةَ، قالَ: وسألتُ عطاءً فقالَ: مَا كُنَّا نَكْرَهُهَا، إِلاَّ شيئاً جاءَنَا مِنْ قِبَلِكُمْ. انتهی، معناه ينكر علی من قال بكراهيتها وأنه باطل.
وكلّ المجسمة نفاة التوسل لو جمعوا بعيدون جداً من أن يصلوا إلی صغار تلامذة أمثال البيهقي، ناهيك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وكلهم من كبار مجتهدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
وسيأتي كلام الشعبي رواه احمد بن حنبل وأقره وهما مجتهدان من كبار علماء السلف قالا كذلك بما لا لبس فيه إن ذلك لا بأس به.
بل هو من فعل الإمام أحمد نفسه لأحد أبنائه، ففي ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ للحافظ أﺑﻲ ﺩﺍﻭﺩ ﺍﻟﺴﺠﺴﺘﺎﻧﻲ ﻗﺎﻝ: ﺭﺃﻳﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺑﻦ ﻷﺣﻤﺪ (أي ولد من أولاد الإمام احمد) ﻭﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ ﺗﻤﻴﻤﺔ (ﺃﻱ ﺣﺮﺯ) ﻓﻲ ﺭﻗﺒﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﺩﻳﻢ (والأديم الجلد)،
ونقله كذلك ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية، وهو من مشاهير فقهاء المذهب الحنبلي.
وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد نفسه يروي عنه ابنه عبدالله بإسناده إلى الشعبي وهو أحد الأئمة المجتهدين من السلف كذلك قال: لا بأس بالتعويذ من القرآن يعلق على الإنسان.ا.هـ.
وقال الحافظ ابن المنذر في كتاب الأوسط: “ورخّص بعض من كان في عصرنا (أي من المجتهدين أهل العلم) للجنب والحائض في مس المصحف ولبس التعويذ (انظر إلى قوله لبس التعويذ) ومس الدراهم والدنانير التي فيها ذكر الله تعالى على غير طهارة”.
فظهر أن هذا قول جملة من مجتهدي السلف رضي الله عنهم لم يخالف فيه إلا جاهل مبتدع.
ولو أردنا أن نجمع أكثر من ذلك من نقول المذاهب الأربعة لجمعنا الشيء الكثير بإذن الله، ولكن دليلاً واحداً مما تقدّم يكفي من يخاف الله تعالى،