السؤال: هل يجوز تهنئة الأهل والإخوان والأحباب بقدوم السنة الهجرية الجديدة؟
الجواب: نعم يجوز أن يدعو المسلم لأخيه المسلم بالهناء والسعد والسعادة والرخاء في السنة الهجرية الجديدة، لا يوجد مانع من ذلك شرعاً، ولا سيما مع التذكير بمحاسن هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وما حصل معه عليه الصلاة والسلام من الآيات البينات والمعجزات الباهرات إثباتاً لنبوته ورسالته، وأن الله فضّله على العالمين كما فضل أمته على سائر الأمم بنصّ كتابه تعالى.
وكذلك مما يُستحسن شرعاً ذكر فضائل سيدنا أبي بكر الصديق كما أتى القرآن على ذكره دلالة على تقديمه على سائر الصحابة رضي الله عنهم، حتى قال العلماء إن من أنكر صحبة أبي بكر للنبيّ فقد كفر لأن في ذلك تكذيباً لقول الله تعالى: “إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا” (التوبة، 40).
وقوله تعالى “إن الله معنا” أي بالنصرة والكلاءة والحفظ والعلم، وقد انعقد الإجماع على أن المراد بلفظ “صاحبه” هنا أبو بكر، فمن أنكر صحبته رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذّب كتاب الله تعالى، ونصّ الفقيه الشافعي المشهور شهاب الدين الرملي وغيره على أن ذلك كفر، قاله في نهاية المحتاج شرح المنهاج.
وهنا مناسبة للتذكير ببركات مثل هذه المناسبة الشريفة من هجرة الرسول من أم القرى وما فيها من الحكمة والفضيلة والبركة، إذ انتشر الإسلام انطلاقاً من المدينة المنورة، وهذا كان بوحي من الله كما قال صلى الله عليه وسلم “أمرت بقرية تأكل القرى” رواه البخاري ومعناه من المدينة المنورة تنطلق الفتوح الإسلامية.
ومما يشبه ذكرى الهجرة الشريفة الاحتفال بيوم مولده عليه الصلاة والسلام، يُستدل على استحباب التذكير بذلك كله وإحيائه بالاحتفال بقراءة القرآن والحديث والوعظ ومدح الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، بقوله تعالى في حق موسى في القرآن العظيم: “ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور” (ابراهيم، 5).
قال القرطبي: “نظيره قوله تعالى لنبيّنا أول السورة: “لتخرج الناس من الظلمات إلى النور” (إبراهيم، 1). وقوله تعالى: “وذكرهم بأيام الله” أي قل لهم قولاً يتذكرون به أيام الله تعالى. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: بنعم الله عليهم (نعم جمع نعمة) وقاله أبيّ بن كعب ورواه مرفوعا أي بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم، وقد تسمى النعم الأيام. وقال الطبري: وعظهم (من الوعظ) بما سلف في الأيام الماضية لهم، أي بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة، واكتفى بذكر الأيام لأنها كانت معلومة عندهم. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله وأيام الله بلاؤه ونعماؤه وذكر حديث الخضر.. ودلّ هذا على جواز الوعظ المرقق للقلوب المقوي لليقين الخالي من كل بدعة والمنزه عن كل ضلالة وشبهة”.ا.هـ.
فقد دلت الآية وهذا ما فهمه وقاله القرطبي وسائر العلماء من أهل السنة والجماعة، على استحباب التذكير بالأيام التي عظمت فيها النعماء على الأنبياء وعلى أممهم.
ومَن هذا الملحد الضالّ الذي ينكر ما في الهجرة الشريفة من النعماء على النبيّ وعلى أمته صلى الله عليه وسلم؟!
فمن حرّم على الأمة المحمدية التذكير بفضل الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه الكريم أبي بكر رضي الله عنه في الهجرة الشريفة، فهو يحرّم ذلك لضغينة في سواد قلبه لأجلها يكره التذكير بمحاسن الإسلام وينكر ما جاء صريحاً في كتاب الله تعالى من التذكير بأيام الله أي بأيام النعمة على أمة الإسلام. وفهمهم هذا عكس فهم أكابر الصحابة كأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ومن تلاه من أئمة أمة الإسلام وعوامّهم إلى يومنا هذا، توافقوا على اتخاذ هجرة النبي بدءاً للتاريخ الإسلامي، فلولا أن الهجرة كانت من أيام الله المباركة العظيمة هل كان عمر يتخذها منطلقاً للتأريخ في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهل كان الصحابة ومن بعدهم من السلف والخلف إلى يومنا هذا يوافقونه لولا ذلك.
وما قدمناه يدل على الفهم المعكوس لأتباع ابن تيمية فهم يحبون معاكسة القرآن الكريم في العقيدة يشبّهون الله بخلقه، وفي تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يعاكسون ما عليه أمة الإسلام من محبته وتعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم حياً وبعد وفاته، ويأمرون الناس بإخفاء الأيام المجيدة في تاريخ الإسلام.
فإن قالوا الصحابة لم يحتفلوا بأول السنة الهجرية، قلنا لهم وفعل عمر من التأريخ بهذه الهجرة الشريفة ألا يدلّ على احتفاء واهتمام خاص بهذا اليوم؟
ثم أنتم أيها التيميون الوهابيون، تمنعون الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم وذكرى هجرته الشريفة، وتحتفلون بمحمد بن عبدالوهاب أسبوعاً كاملاً مشهوراً بينكم باسم ”أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب”، تحرمون ما أحلّ الله وتبتدعون أسبوعاً كاملاً لزعيمكم، فأي تناقض هذا، عجيب أمركم أيها التيميون، اتقوا الله تعالی!