ليُعلم أن كلمة “اليد” في لغة العرب تأتي بمعان عديدة منها النِعمة ومنها القدرة

Arabic Text By Jun 21, 2016


ليُعلم أن كلمة “اليد” في لغة العرب تأتي بمعان عديدة منها النِعمة ومنها القدرة، والقدرة هي القوة كما في قوله تعالى: “والسماءَ بنَيْناها بِأَيْدٍ” قال ابن عباس رضي الله عنهما أي بقوة، وهذا تأويل تفصيلي، ويعني ذلك أن ابن عباس صرف اللفظ عن المتبادر إليه في الوهم من الجارحة إلى معنى تقبله اللغة العربية ويقرّه الشرع الشريف.

ولا يجوز حمل كلمة اليد متى أضيفت إلى الله على ظاهرها، لأن ظاهر ذلك من جمع اليد على الأيدي أي الجوارح التي يباشر بها العبد المخلوق حاجاته، مستحيل في حق الله تعالى، لذلك نقول بأيد أي بقوة.

وتأتي اليد كذلك بمعنى العهد كما في قوله تعالى: “يد الله فوق أيديهم” أي عهد الله فوق عُهودهم أي ثبت عليهم عهد الله لأن مُعاهدة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم تحت شجرة الرِّضوان في الحُديبية على أن لا يَفِروا معاهدة لله تبارك وتعالى لأن الله تعالى هو الذي أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه المُبايعة.

وأما قوله تعالى: “بل يداه مبسوطتان يُنفق كيف يشاء” فمعناه أن الله تعالى غني واسع الكرم والتأويل التفصيلي هنا واضح إلا أن المشبهة يتكبرون عن قبول الحق.

وأما قوله تعالى في توبيخ إبليس: “ما منعكَ أن تسجدَ لِما خلقتُ بِيَدَيَّ” فقد ذكر بعض المفسرين كأبي حيان الأندلسي في البحر المحيط قال: “عبارة عن القدرة والقوة”، ومعلوم لمن مارس شيئاً من علم النحو واللغة والتفسير أن أبا حيان من كبار اللغويين والنحاة رحمه الله، فلا يُعترض على مثله في ذلك، ومن أين لمعترض على تأويل أبي حيان أن يجاريه علماً وفقهاً.

وقال الماوردي في تفسيره “بيديّ” فيه ثلاثة أوجه منها بقدرتي ومنه قول الشاعر:

تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان.

ويجوز أن يقال المراد باليَدين هنا العناية والحفظ، ويدلّ قوله تعالى: “بيـديَّ” على أن آدم خُلِق مُشرّفا مُكرّماً بخلاف إبليس خلقه الله للإهانة، وكلاهما بل وسائر المخلوقات خلقها الله بقدرته كما يقول السادة الأشاعرة.

ولا يجوز أن نحمل كلمة بيدَيَّ على معنى الجارحة أي العضو لأنه لو كانت لله جارحة لكان شبيهاً لنا، ولو كان مِثلنا لَما استطاع أن يخلقنا، فلذلك نقول كما قال “بيديّ” معناه خلقتُه بقدرتي على وجه الإكرام والتعظيم، أي على وجه الخصوصية خلق آدم أي أراد الله له المقام العالي والخير العظيم. وأما إبليس فما خلقه الله تعالى بعنايته لأن الله عالم في الأزل بأن إبليس خبيث، فهذا هو الفرق هنا بين سيدنا آدم نبي الله وإبليس عدو الله.

وقال بعض العلماء بالتأويل الإجمالي فقالوا يصح أن يقال لله يد بلا كيف بمعنى الصفة لا على معنى الجارحة، قالوا يد لا كأيدينا على معنى الصفة لا على معنى الجسمية، لأن الله لو كان له يد بمعنى الجسم لكان مِثْلاً لنا، ولو كان مِثلاً لنا لجاز عليه ما يجوز علينا من الموت والفناء والتغيّر والتطور، وهذا كله مستحيل على الله عز وجل لقول الله تعالى: “ليس كمِثله شيء”.

أما أتباع ابن تيمية أدعياء السلفية فيقولون باللسان: له يد لا كأيدينا، وفي الاعتقاد يعتقدون الكيفية والعياذ بالله، يعتقدون الجسم الذي تعرفه النفوس.

وأما الوقوف بين يدي الله للحساب فمعناه حساب العباد عند عرض أعمالهم عليهم، وليس المعنى أن الله تعالى يكون في موقف القيامة ويكون الناس حوله لأن الله تعالى ليس جسماً يَتحيّز في مكان.

الله لا يتحيز في مكان ولا جهة ولا في الفراغ ولا ضمن بناء ولا هو في هواء العرش ولا هو جالس على العرش لأن الجلوس والاستقرار من صفات الخلق، والله لا يتصف بهذا كله لقوله تعالى: “ليس كمثله شيء” كما تقدم.

وتلك الهيئة التي يتصورها بعض الجهال من أن الله يكون ذلك اليوم في موقف القيامة والناس حوله يجتمعون للحساب، فهذه الهيئة لا تجوز على الله لأن هذه هيئة الملوك تَحُف بهم رعاياهم. والذي يظن الوقوف بين يدي الله يوم القيامة معناه القرب من الله بالمسافة والمكان فهذا ما عرف الله تعالى ويجب عليه النطق بالشهادتين فوراً بقوله بلسانه: أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.