يستحبّ ويُستحسن الاحتفال بذكرى مولد البشير النذير سيدنا محمد بإظهار الفرح والشكر لله تعالى بولادته الكريمة صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول.
فمَن حرّم ذكر الله عز وجل وذكر شمائل النبي في يوم مولده عليه السلام بحجة أن النبي لم يفعله نقول له: هل تحرّم المحاريب التي في المساجد وتعتقد أنها بدعة ضلالة وتأمر بهدمها، وتحرّم جمع القرآن في المصاحف ونقطها بالنقط والعلامات التي استحسنها العلماء، ودعواك أن النبي لم يفعلهما؟!، وهل تحرّم جمع الحديث في البخاري ومسلم والترمذي بحجة أن الصحابة لم يفعلوا ذلك؟!، وغير ذلك كثير من مثله، على زعمك كله حرام وكل هؤلاء الأئمة ضالون.
فإن كنتَ تُحرّم هذا وما أشبهه فقد ناديت على نفسك بالجهل لأنك ضيّقتَ ما وسّع الله على عباده من استحداث أعمال خير لم تكن على عهد الرسول فقد قال صلى الله عليه وسلم: “مَن سَنّ في الإسلام سُنةً حسَنَةً فلَهُ أجرُها وأجْرُ مَن عَملَ بها بعده من غير أنْ ينقُصَ من أُجورهم شيء” رواه مسلم، وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدما جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح “نِعْمَ البدعة هذه” رواه البخاري.
ومن هنا قال الإمام الشافعي: “المُحدَثات من الأمور ضربان أحدُهما ما أُحدث مما يُخالفُ كتابًا أو سُنةً أو أثراً أو إجماعًا فهذه البدعة الضـلالة، والثانيـة ما أُحدِثَ من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه مُحدثةٌ غير مذمومة” رواه البيهقي وغيره.
قال السيوطي: “وقد استخرج له – أي للاحتفال بالمولد – إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر (العسقلاني) أصلاً من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانيًا”.
فتبين من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة فلا وجه لإنكاره، بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله حديث “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء” والعبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين، ومن أنكر ذلك فهو مكابر ولا حجة ولا عبرة بكلامه.
ثم الاحتفال بالمولد فرصة للقاء المسلمين على الخير وسماع الأناشيد المرققة للقلوب، وإن لم يكن في الاجتماع على المولد إلا بركة الصلاة والسلام على النبيّ لكفى.
قال السيوطي: “وذلك (أي المولد) هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدّين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون” أي من بلاد الشام.
وقال ابنُ كثير (وهو ممن يحبه الوهابية لبعض انحراف فيه إلى ابن تيمية في الاعتقاد) في تاريخِه عن هذا الملك “كان يعملُ المولدَ الشريفَ في ربيعٍ الأول ويحتفلُ به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عالمًا عادِلاً رحمه اللهُ وأكرَمَ مثواه، وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلدًا في المولد النبوي سماه “التنوير في مولد البشير النذير” فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في المُلك إلى أن مات بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة”.
وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ ابن دحية: “كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق، واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب “التنوير في مولد البشير النذير”، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار”.
وفّق الله كاتب هذه الفائدة وناشرها وعافانا ورزقنا رؤية النبيّ وفرّج كرباتنا وختم لنا ولمن قال ءامين بخير، ءامين.
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.