شرح عقيدة ابن عساكر
بســــــــــم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن ، وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين أمّا بعدُ فإنّ عِلمَ الدِّينِ هوَ أَفضَلُ العُلومِ وأَولى مَا أُنفِقَت فيه نفَائسُ الأوقات. وقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :” مَن سَلَكَ طَريقًا يَلتَمِسُ فِيهِ عِلمًا سَهّلَ اللهُ لهُ طَرِيقًا إلى الجَنّة “ رواه الترمذي.
وأَعلَى العِلمِ وأَفضَلُه هوَ أُصولُ العَقِيدةِ كمَا يُفهَمُ ذلكَ مِن قَولِ ربِّ العِزّةِ وذلكَ في قَولِه عزّ وجلّ : “فاعْلَم أنّه لا إلهَ إلا الله “ ولِذَا علّمَه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصّحابةِ قَبلَ فُروع الفِقهِ . فَقد روى ابنُ ماجَه عن جُندُبِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه قال :“كنّا معَ النّبيّ صلى الله عليه و سلم ونحنُ فِتيانٌ حَزاوِرَةٌ(أي قارَبْنَا البُلُوغ) فتَعَلّمْنَا الإيمانَ قَبلَ أن نَتعَلّمَ القُرءانَ ثم تعَلّمنَا القُرءانَ فازْدَدْنَا بهِ إيمانًا “. وصحّحَه الحافظ البُوصِيريّ في”مِصباح الزجَاجة”.
قال الإمام الشيخ فخرُ الدِّين أبو منصور عبدُ الرحمن بنُ محمدِ ابنِ الحسنِ الدمشقي المعروفِ بابنِ عسَاكرَ الفقيه الشافعي المشهور وهو ابن أخي أبي القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر محدّث الشام وحافظها ولد سنة خمسين وخمسمائة وتوفِّي سنةَ 620 هـ ودفن في مقابر الصوفية في دمشق.
قال أبو شامة:أخبرني من حضره قال صلّى الظّهر وجعل يسأل عن العصر وتوضّأ ثم تشهد وهو جالس وقال رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا،لقنني الله جُجّتي وأقالَني عثرتي ورحم غُربتي،ثم قال وعليكم السلام فعلمنا أنه حضرت الملائكة ثم انقلب ميّتا.اه.وكان مرضه بالإسهال رحمه الله تعالى.
:( اعلَم أَرشَدنَا اللهُ وإيّاكَ أنّهُ يجبُ على كلِّ مُكَلَّف ) المكلَّفُ هو البالغُ العَاقلُ الذي بلغَتهُ دَعوةُ الإسلام (أنْ يَعلَم أنّ اللهَ عزّ وجَلّ واحِدٌ) أي الذي لا شرِيكَ لهُ في الألوهِيّة ولا مثيل له (في مُلكِه) أي ليسَ لهذا العَالم مَالِكٌ غَيرُه ولا مُدَبِّرَ غَيرُه ولا إلهَ غَيرُه والمُلك هو السُّلطان ( خَلَقَ العَالَم بأَسرِه العُلوِيَّ والسُّفلِيّ والعَرشَ )العالم العُلويّ هو السموات وما فوقها، والسفلي الأرضين وما تحتها،والعرش هو سقف الجنة وهو أعظَمُ الخَلْقِ حَجمًا ، خَلََقَهُ اللهُ إظهَارًا لقُدرَتِه ولم يتّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ كما قال سيدنا علي رضي الله عنه ( والكُرسِيَّ)وهو جِرم عظيم تحت العرش (والسّمواتِ و الأرضَ ومَا فِيهِمَا وما بَينَهُمَا)والمقصود بما في السموات كالملائكة وبما بين السموات والأرض كالقمر والشمس والنجوم (جميعُ الخَلائقِ مَقهُورُونَ بقُدرَتِه) فالعرش الذي هو أعظم الأجرام حجما مقهور لله،الله هو الذي حفظه وجعله في هذا المكان المرتفِع وهو الذي يُبقيه في ذلك الموضع فلا يخِرُّ على السموات والأرض فيدمِّرها تدميرًا،فما سوى العرش مقهور لله من باب الأَولى (لا تَتحَرّكُ ذَرّةٌ إلا بإذنِه) أي إلا بمشيئته(ليسَ مَعه مُدَبِّرٌ في الخَلقِ)فهو سبحانه وتعالى المدبِّر لكلّ شىء أي الذي يُصرِّفُ الأشياء على مقتضى مشيئته وعلمه الأزليَّين فلا يحصُل في كلّ العالم حركة ولا سُكون إلا بتدبيره عزّ وجلّ،هو سبحانه وتعالى مصرّف الأشياء ومصرّف القلوب كيف يشاء (ولا شَريكٌ في المُلكِ)فمُلك الله أي سُلطانُه صفةٌ من صفاتهِ قال الله تعالى”كلُّ شَىءٍ هَالكٌ إلا وَجْهَهُ“قال البخاري أي إلا مُلكَه.فمُلك الله الذي هو سُلطانُه باق،الله لهُ سُلطانٌ على خَلقِه .(حَيٌّ) بحياةٍ أَزليةٍ أبدِيةٍ ليسَت برُوحٍ ولا لحم ولا دَمٍ (قَيُّومٌ)أي أنه مستغنٍ عن كل ما سواه ولا يحتاج لأحد من خلقه (لا تَأخُذُه سِنَةٌ ) أي لا يَلحَقُه نُعَاسٌ ( ولا نَومٌ)أي أن الله منزّه عن النوم قال صاحب المصباح والنومُ غَشْيةٌ ثَقِيلَةٌ تهجُم على القَلبِ فتَقطَعُه عن المعرفةِ بالأشياء (عَالمُ الغَيبِ و الشّهادَةِ )أي الذي يعلم السِّرّ والعلانية،الذي لا يخفى عليه بواطن الأمور،عالم الغيب ما لا تراه أعين عباده ويغيب عن أبصارهم، والشهادة ما يُشاهدونه فيرونَه بأبصارهم، فهو سبحانه يعلم الأشياءَ جملةً وتفصِيلا يعلم ما كان أي وُجِد ويَعلمُ ما يكون أي ما سيوجَد (لا يَخفَى عَليهِ شَىءٌ في الأرضِ ولا في السّماءِ، يَعلَمُ ما في البَرِّ والبَحرِ ، ومَا تَسقُطُ مِن وَرقَةٍ إلا يَعلَمُها ، ولا حَبّةٍ في ظُلُمَاتِ الأرضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلا في كِتابٍ مُبِين ) أي في اللّوح المحفوظِ (أحَاطَ بكُلِّ شَىءٍ عِلمًا ، وأَحصَى كُلَّ شَىءٍ عَدَدًا )أي أنّهُ عَزّ وجَلّ عَلِمَ بعِلمِه الأزليّ أَعدَادَ كُلِّ شَىءٍ،عَلِمَه قَبلَ أن يَكونَ،يَعلَمُ عَدَدَ حَبّاتِ الرِّمالِ وقَطَراتِ الأمطَار وأَوراقِ الأشجَار وأنفاسِ العِباد ( فعَّالٌ لمِا يُريدُ )أي أنهُ سُبحَانَه وتعَالى يَفعَلُ ما يشَاءُ . ما شاءَ حصُولَه بمشيئتِه الأزليةِ فعَلَه بفِعلِه الأزلي ولا تَتغَيّر مَشيئةُ اللهِ عزّ وجلّ لأنّ التّغيرَ يَحصُلُ في المخلوقينَ، قال الله تعالى :{ مَا يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ }سورة ق\29. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:قال الله تعالى يا محمدُ إني إذا قضَيتُ قضَاءً فإنَّهُ لا يُردّ“رواه مسلم. وإنما يُغير الله المخلوقين بحسب مشيئته التي لا تتغير،فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ( قَادِرٌ على مَا يشَاءُ ) أي أنّ اللهَ لهُ قُدرةٌ شَاملَةٌ يُحدِثُ بها الأشياءَ ، فلا يُعجِزُه شَىءٌ ، ولا يحتَاجُ إلى استعَانةٍ بغَيرِه ( لهُ المُلكُ)أي له السلطان الذي لا يُنازعه فيه منازع (ولهُ الغِنى)أي القيام بنفسه أي لا يحتاج إلى غيره (ولهُ العِزُّ) قال الله تعالى “والله عزيز ذو انتقام“قال الحليميُّ ومَعنَاهُ الذي لا يُوصَلُ إليه ولا يمكِنُ إدخَالُ مَكرُوهٍ عَليهِ. وقالَ الخَطّابيّ العَزيزُ هوَ الذي لا يُغلَبُ. قالَ الطّبَريُّ في تفسيرِه واللهُ عَزيزٌ في انتقَامِه ممّن خَالَفَ أَمرَه وتَعدَّى حُدودَهُ.اه.واللهُ عَزيزٌ غالِبٌ لا يُغلَب.ذُو انتقام ذُو عُقُوبةٍ شَديدَةٍ لا يَقدِرُ على مِثلِهَا مُنتَقِم.(والبقاء) أي أنّ اللهَ تَعالى مَوصُوفٌ بالبقاءِ وهوَ استِمرارُ الوجُودِ بلا طُروءِ فنَاء. (ولهُ الحُكمُ ) يَحكُمُ ما يُريدُ(والقَضَاءُ )القَضاءُ هوَ الخَلقُ كقولِه تَعالى: فقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمواتٍ” (ولهُ الأسماءُ الحُسنى ) أي التي تَدُلُّ على الكمَالِ،فلَيسَ في أسماءِ الله ما يَدُلُّ على نَقصٍ.وقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن لله تسعةً وتسعينَ اسمًا مائةً إلا واحدًا مَن أحصاها دخلَ الجنّة“وفي بعض الروايات :مَن حفظها“وهي تبيِّنُ المرادَ،وقد ورد في تَعدادِها عِدّة روايات،منها ما رواه الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة.
فائدةٌ أسماءُ الله الحسنى التّسعة والتسعون من حفظها وفَهِمَ معناها مضمونٌ لهُ الجنّة،ويوجد غيرها أسماءٌ لله ولكن ليس لها هذه الفضيلة التي هي للأسماء التّسعة والتسعين،وأسماءُ الله الحسنى بأيّ لغةٍ كُتِبَت يجبُ احترامُها.
( لا دَافِعَ لِمَا قَضَى) وهذا يُفهم من حديث ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” قال الله تعالى إني إذا قضيتُ قضَاءً فإنّهُ لا يُردّ“رواه مسلم.وهذا الحديث القدسي يُستفاد منه أنّه لا أحدَ يمنَعُ نفَاذَ مَشيئةِ الله. (ولا مَانِعَ لِمَا أَعطَى) هذا جاءَ مَعناه في حديثِ البُخاريّ ومسلم أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ في دُبرِ صَلاتِه:لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لهُ لهُ المُلكُ ولهُ الحَمدُ وهوَ على كلِّ شَىءٍ قَدير اللهُمّ لا مَانعَ لما أَعطَيتَ ولا مُعطِيَ لما مَنعتَ ولا يَنفَعُ ذا الجَدّ مِنكَ الجَدّ“فإذا شاءَ اللهُ لعَبدٍ أن تُصيبَه نِعمةٌ مِنَ النِّعَم فهو يُمكِّنُه منها ولا يستطِيعُ أحَدٌ أن يمنعَها عنه (يَفعَلُ في مُلكِه مَا يُريدُ) فمَا أرادَ اللهُ تَعالى في الأزل وشاءَ حُصولَه بمشيئَتِه الأزليّةِ لا بُدّ أن يكونَ (ويَحكُمُ في خَلْقِه بما يَشَاءُ) يُحرّم ما يشَاءُ ويَفرِضُ ما يشَاءُ (لا يَرجُو ثَوابًا ، ولا يَخافُ عِقابًا) فالله تعالى لا يرجو من عباده جزاءً أو منفعةً قا ل الله تعالى :ما أُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ ومَا أُريدُ أن يُطعِمُون“فالله ما كلّفهم بالعبادة لأنّه يلحَقُه نفعٌ من ذلك،ولا نهاهم عن شىء لأنه يخاف ضررًا أو عقابا من أحدٍ منهم (لَيسَ عَليهِ حَقٌّ [ يَلزَمُهُ ] ولا عَليهِ حُكمٌ )فالله تعالى ليس عليه واجبٌ يلزمُه فِعلُه ولا حُكمَ لأحدٍ عليه إذ لا يمنعُه أحد من شىء أرادَه، ولا يأمرُه أحدٌ بشىء (وكُلُّ نِعمَةٍ مِنهُ فَضْلٌ )النِّعمةُ هي المِنّةُ أي ليسَ فَرضًا على اللهِ أن يُعطِيَ عِبادَه النِّعَمَ ، بل هوَ متَفَضِّلٌ مُتَكَرِّمٌ بذلكَ ( وكُلُّ نِقمَةٍ مِنهُ عَدلٌ ) النِّقمَةُ هيَ العُقُوبَةُ، فمَن أثَابَه اللهُ فبِفَضْلِه ومَن عاقبَه فبِعَدلِه ولا يَظلِمُ اللهُ أحَدًا ولا يجوز الاعتراض عليه ( لا يُسئَل عمّا يَفعَلُ ) فلا يجوز أن يُعتَرضُ على اللهِ في فِعْلِه لأنه المالِكُ الحقيقيُّ لكلِّ شىء ولا يُشاركُه في ملكِه أحد يملك العباد وما مَلّكَهم وهو يفعل في ملكه ما يشاء،ولذلك لا يتصور منه الظلم لأنه حكيم لا يضع الأمور في غيرِ مواضعِها، ولأنّ الظلم يُتصور ممن له ءامر وناهٍ كالعباد،إذ الظلم هو مخالفة أمر ونهي من له الأمر والنهي،فلا يُسئل اللهُ لم فعَل كذا ولم فعل كذا،لم يؤلم الأطفال والبهائم ويسلطُ عليهم الأوجاع والأمراض وليس عليهم ذنب،ومن قال ذلك معترضا على الله فقد كفر والعياذ بالله،أما من أراد السؤال عن الحكمة في ذلك ولم يرد الاعتراض فلا يكفر ( وهُم يُسئَلُونَ ) أي العبادُ يسألون ( موجُودٌ قَبلَ الخَلْقِ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كانَ اللهُ ولم يَكُن شَىءٌ غَيرُه “.أي أنه سبحانه وتعالى أزلي لا ابتداء لوجوده ولا أزلي سواه،فكلُّ ما سواه لوجوده ابتداء كما دلَّ على ذلك قوله تعالى:هو الأول” ( ليسَ لهُ قَبلٌ ) أي لم يَسبِقْهُ عَدَمٌ لأنّ اللهَ أَزليّ ( ولا بَعْدٌ ) أي لا يَلحَقُه فَناءٌ ، لأنّ اللهَ أَبدِيٌّ ( ولا فَوقٌ ولا تحتٌ، ولا يَمينٌ ولا شِمَالٌ ، ولا أمَامٌ ولا خَلْفٌ ) أي أنّ اللهَ مُنزَّهٌ عن أن يكونَ في أيِّ جِهةٍ مِنَ الجِهاتِ أو في جميعِها ، فاللهُ لا يتَحيّزُ فَوقَ العَرشِ ولا يَسكُنُ السّماءَ ، قالَ الإمامُ أبو جعفر الطحَاويّ ـ كانَ في القَرنِ الثّالثِ وتوفي في القرنِ الرّابع للهِجرة ـ في عقِيدتِه التي سماها عقيدةَ أهلِ السّنةِ و الجمَاعة : ” تعالى [أي الله] عن الحدودِ والغَاياتِ والأركانِ(أي الجوانب) والأعضَاءِ و الأدواتِ ، لا تحوِيهِ الجِهاتُ السِّتُّ كسَائرِ المبتَدعَات”أي المخلوقات. (ولا كُلٌّ ولا بَعضٌ ) أي أنّ اللهَ لَيسَ مُركَّبًا مِن أجزَاءٍ لأنّه ليسَ جِسمًا ولذلكَ لا يُوصَفُ بالكُلِّيّةِ ولا بالبَعضِيّةِ والجُزئيةِ.قالَ الحَلِيمِيُّ في تفسير اسمِ الله المُتعَالي معناه المرتفعُ عن أن يجوز عليه ما يجوز على المحدَثِين منَ الأزواج والأولاد والجَوارح والأعضاء واتخاذِ السّرير للجُلوس عليه،والانتقالِ مِن مَكانٍ إلى مكان ونحو ذلك،فإنّ إثباتَ بعضِ هذه الأشياء يوجِبُ النّهايةَ،وبعضَها يوجِبُ الحَاجَة،وبعضَها يُوجِبُ التّغْيِير والاستحالة،وشىءٌ من ذلك غيرُ لائقٍ بالقَديم ولا جائزٌ عليه.اه.نقله عنه الحافظ البيهقي في كتاب الأسماء والصفات. (ولا يُقالُ مَتى كانَ ، ولا أينَ كانَ ) أي أنه لا يجوز أن يُقال متى كان الله لأن هذا فيه نسبةُ البداية إلى الله والوجودِ بعد سَبقِ العدم،ولا يجوز أن يقال أينَ كان الله على معنى السّؤالِ عن مَوضِعه ومكانِه، لأنّ اللهَ مُنزّه عن المكانِ فلا يُوصَفُ بأنّه في مكانٍ.( ولا كيفَ ) لا يُقالُ كيفَ كانَ لأنّ الكَيفَ أي الصورةَ مِن صِفَةِ المخلوقاتِ ( كانَ ولا مَكانَ ، كَوّنَ الأكوانَ ودَبّرَ الزّمانَ ، لا يَتقَيَّدُ بالزّمانِ ، ولا يتَخَصَّصُ بالمكَانِ )معنى ذلك أن الله موجود قبل المكانِ بلا مكان وأنه هو خالق المكانِ وخالقُ كل ما في هذا العالَم،فلا يجري عليه زمان لأنه أزلي وهو خالق الزمان،فلا يقال عن الله متى كان،إنما يقال متى كان عما لم يكن ثم كان.قال سيدنا علي رضي الله عنه:كان الله ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان.وروى الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء بالإسناد المتصل أن الإمام عليّا زين العابدين كان يقول سبحانك لا يحويكَ مَكان . هذا هوَ الاعتقادُ الصحيحُ الموافقُ للعَقلِ. ( ولا يَشغَلُه شَأنٌ عن شَأنٍ) فما أراد اللهُ أن يكون كان في الوقت الذي أراد وجودَه فيه، ولا أحدَ يمنع نفاذ مشيئة الله (ولا يَلحَقُه وَهْمٌ ، ولا يَكتَنِفُه عَقلٌ ، ولا يتَخَصّصُ بالذِّهنِ ، و لا يتَمثَّلُ في النَّفْسِ ، ولا يُتَصَوَّرُ في الوَهمِ ، ولا يتَكَيَّفُ في العَقلِ ، لا تَلحَقُه الأوهامُ والأفكارُ. ليسَ كمِثلِه شَىءٌ و هوَ السّميعُ البَصِير ).فالله تعالى لا تُدركه الأوهام ولا تحيط به العقول، قال الإمامُ ذو النُّون المصري :” مَهما تَصَوَّرتَ بِبَالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلكَ ” رواه الخطيبُ البغداديُّ في كتاب “تاريخ بغداد” وذلكَ لأنّ كُلَّ ما تَتصوّرُه ببالكِ فهوَ مَخلُوقٌ و الخالِقُ لا يُشبِهُ مَخلُوقَهُ . كما قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه:من انتهض لمعرفة مدبِّره فاطمأنّ إلى موجودٍ ينتهي إليه فكرُه فهو مشبّه،وإن اطمأنَّ إلى العدَمِ الصِّرفِ فهو مُعَطِّلٌ وإن اطمأن إلى موجود واعتَرفَ بالعَجزِ عن إدراكِه فهوَ مُوحّدٌ”.اه.
لذلك نهى السلف عن التفكر في ذات الله تعالى للوصول إلى حقيقته لأنه لا يعلم الله على الحقيقة إلا الله إنما معرفتنا بالله هي بمعرفة ما يجب له تعالى وما يستحيل في حقه وما يجوز في حقه قال ابن عباس رضي الله عنهما : تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله”رواه البيهقي.
(ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) قدَّمَ تَعالى التّنزيهَ في هذه الآيةِ على قولِه وهو السميعُ البصير ليُعلَم أنّ سمعَه ليس كسَمعِ غَيرِه أي ليس بأُذُنٍ أو بواسِطةٍ وأنّ بصرَه ليسَ كبصَرِ غيرِه أي ليس بحدَقةٍ لأنه سبحانَه ليس كمثله شىء.