الْمَوْلِد الشريف ُفي ربيع الخير سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وفيه أجر كبير وَلَيْس داخِلاً في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم بِقَوْلِهِ: “وكُلّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ”.
قالَ النَّوَوَيُّ ما نَصُّهُ:
“قَوْلُهُ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم: “وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ” هَذا عامٌّ مَخْصُوصٌ (أي لَفْظُهُ عامٌّ وَمَعناهُ مَخْصوصٌ)، والْمُرادُ بِهِ غالِبُ البِدَعِ”. وقال أيضًا: “ولا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَديثِ عامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلّم “وكُلّ بِدْعَةٍ” مُؤَكِّدًا بِـ(كُلُّ)، بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصيصُ مَعَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْء﴾ (الأحقاف، 25)ا.هـ. فَهَذِهِ الآيةُ لَفْظُها عامٌّ وَمَعْناهَا مَخْصُوصٌ لأنَّ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتي وَرَدَ أنَّها تُدَمِّرُ كُلَّ شىءٍ سَخَّرَهَا اللهُ على الكافِرينَ مِنْ قَوْمِ عادٍ فأهْلَكَتْهُم وَلَمْ تُدَمِّرْ كُلَّ مَنْ على وَجْهِ الأَرْضِ لأنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَنا أنَّهُ نَجَّى هُودًا وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤمِنينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ (هود، 58).
وَمِنَ الأَمْثِلَةِ على العامِّ الْمَخْصوصِ قَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلّم: “وكُلّ عَيْنٍ زانيةٌ” رواه ابن حبان، وَمْعلومٌ شَرْعًا أنَّ هذا الحديثَ لا يَشْمَلُ أَعْيُنَ الأنبياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّ اللهَ تعالى عَصَمَهُم مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلى الْعَالَمين﴾ (الأنعام، 86)، وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديثِ الصَّحيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاودَ في سُنَنِهِ في بَابِ ذِكْرِ الصُّورِ وَالْبَعْثِ أَنَّهُ قال: “كُلَّ ابْنِ ءادَمَ تَأكُلُ الأَرْضُ إلا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ” وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ كَلِمَةَ (كُلّ) لا تَأتي دَائِمًا لِلشُّمُولِ الْكُلِّيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: “إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاء” رواهُ أبو داود كذلك، فَيَكُونُ مَعْنَى “كُلَّ ابْنِ ءادَمَ تأكُلُ الأَرْضُ” الأغْلَبَ لأَنَّ الرَّسُولَ اسْتَثْنَى في الْحَديثِ الآخَرِ الأَنْبِيَاءَ.
وَمِمَّنْ ذَكَرَ مِنَ العُلَماءِ أنَّ حديثَ “كُلَّ ابْنِ ءادَمَ تَأكُلُ الأَرْضُ” مِنَ العامِّ الْمَخْصوصِ النَّوَوِي كذلك في شَرْحِهِ على مُسلم.