السلطان صلاحُ الدينِ الأيوبي
معنى ما جاءَ في العقيدةِ الصّلاحية عن كلامِ الله:
وقُلْ لمنْ قَدْ كَيّفَ الكَلامَا بالحرفِ والصّوتِ مَعًا سَلامَا
منْ قالَ إن اللهَ مُتكلمٌ بالحرفِ والصوتِ انبِذ كلامَهُ . هذهِ المسئلةُ فَهمُها على التّحقيقِ أمرٌ مُهمّ وذلِكَ يحتَاجُ إلى بَيانٍ واسِعٍ فالقُرءانُ والتّوراةُ والإنجيلُ والزّبورُ وغَيرُها مِنَ الكُتُبِ السّماويةِ يُقالُ لها كلامُ اللهِ لا بمعنى أنّ اللهَ قَرَأ هَذهِ الكُتُبَ تَكَلّم بالحَرفِ والصَوتِ لا بل بمعنى أنّ هذهِ الكُتُبَ هيَ عِبارةٌ عن كلامِ اللهِ الذي ليسَ بحرفٍ ولا صَوتٍ فَيُطلَقُ علَيها بأنها كَلامُ اللهِ أي هي عِبارةٌ عن الكلامِ الذي ليسَ حَرفاً ولا صَوتاً الذي هو كلامٌ واحدٌ يُوصَفُ بالأَمرِ والنّهي والخَبرِ والاستخبارِ والوَعدِ والوَعِيد ليسَ بالحَرفِ فإنّ الحَرفَ يَسبِقُ بَعضُهُ بعضًا فهذهِ الكُتبُ السّماويةُ عِبارةٌ عن كلامِ اللهِ ليسَت عَينَ كلامِ الله وفي القُرءانِ الكَريم دليلٌ على أنّ القُرءانَ بمعنى اللفظِ المقروء شئٌ قرأهُ جبريلُ ليسَ اللهُ قرأهُ على جبريلَ وذلِك قَولهُ تعالى : {إنّهُ لقَولُ رَسُولٍ كَريم} هذا الرسولُ باتّفاقِ المُفسرينَ هو جبريلُ فمعنى إنهُ لقَولُ رسولٍ كريم إنَ القُرءانَ مقروءُ جِبريلَ أي شىءٌ قَرأهُ جبريلُ، هذا دليلٌ واضِحٌ على أنّ القُرءانَ بمعنى اللّفظِ المُنزّل ليسَ مقروءاً لله، وأمّا قَولهُ تعالى:{فإذَا قَرأنَاهُ فاتّبِعْ قُرءانَه} فمعناهُ : إذَا جمَعناهُ لكَ في صَدرِك فاتّبع قُرءانَه أي اعمَلْ بهِ وذلِكَ أن الرسولَ كانَ عندَما يَقرأُ عليهِ جبريلُ كانَ يُحرِّكُ شَفتَيهِ حتى لا يَنفَلِتَ منهُ شئٌ من القُرءانِ ثُم اللهُ أنزلَ علَيهِ هذا فأعلَمهُ بأنهُ تَعالى يجعَلهُ حَافظاً للقرءانِ قالَ : {لا تُحَرِّكْ بهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بهِ إنّ عَلينَا جَمْعَهُ وقُرءانَهُ} معناهُ أنا ضَامِنٌ لكَ أن تجمَعَهُ في صَدرِكَ ولا يُفلِتَ عَليكَ فإذَا قَرأناهُ أي جمَعناه في صَدرِك فاتبع قُرءانه أي اعمَل بهِ,وليسَ معناهُ قَرأناهُ بالحَرفِ والصّوتِ ،فيتَبيّنُ أنّ القرءانَ لهُ إطلاقانِ يُطلَقُ على مَعنى اللفظِ المنَزّل على الرسولِ فهذا لا شَكّ أنّهُ مخلُوقٌ لأنّهُ حَرفٌ وصَوتٌ لغةٌ عَربيةٌ، جبريلُ قرأَهُ والرسولُ كذلكَ وكَذا المؤمنونَ .ويُطلَقُ على الكلامِ الذي هو صِفَةٌ للهِ ليسَ بحَرفٍ ولا صَوتٍ ولا لغةٍ.وقَد امتَنعَ الإمامُ أحمدُ مِنْ قَولِ القُرءانُ مخلُوقٌ حتى لا يُتَوهّم أنّ اللهَ تَقُومُ بهِ صِفَةٌ حَادثةٌ,لأنّ اللهَ لا يجوزُ أن تَقُومَ بهِ صِفَةٌ حَادثةٌ.هذهِ المسئلةُ ومسئَلةُ التّنزيهِ عن الجسمِيّةِ والحَجْمِيّةِ والتّحيُزِ في المكَانِ والجِهةِ والحَركةِ والسّكون وكُلِ صِفاتِ الخَلقِ أهَمُ مَسائلِ العقيدةِ هَاتانِ المسئَلتَان ,لأنَ معرفةَ الله لا تصِحُ إلا على هذا الوجهِ لأنَ منِ اعتقدَ أن الله حَجمٌ كثيفٌ كالإنسانِ أو حَجمٌ لطيفٌ كالنور ما نَزّه اللهَ عن مُشابهةِ الخَلقِ لأنّ الخَلقَ جِسمٌ لطِيفٌ أو جِسمٌ كثِيفٌ وصِفاتُهُما،فَمنِ اعتَقدَ اللهَ جِسماً كَثيفاً أو جِسمًا لطِيفاً أو وصَفَهُ بصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الخَلْقِ كالجُلُوسِ أو الاستِقرارِ أو الحركةِ أو السّكونِ فهوَ لم يَعرفِ اللهَ ولا يكونُ عَابداً للهِ إنما يَعبُدُ شَيئًا تخَيّلَهُ ومَن عَبدَ شَيئاً تخَيّلَهُ لا يكونُ مسلِماً إنما المسلمُ المؤمنُ هوَ الذي يعتَقِدُ أنّ اللهَ تَعالى موجُودٌ لا كالموجوداتِ ولا يوصَفُ بأوصَافِ المخلُوقِينَ هذهِ عقيدَةُ الرسولِ والصّحابةِ ومَن تَبِعَهُم نَسألُ اللهَ أن يُثبِّتَنا على هذِه العقِيدةِ إلى الممَاتِ……. واللهُ أعلَم.