فوائد نفيسة في قواعد السلوك البشري السويّ.
قال الله تعالى: “وَلا تَمشِ فِي الأرضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخرِقَ الأرضَ وَلَنْ تَبلُغَ الجِبَالَ طُولا” (الإسراء، ٣٧).
وهذا نهي من الله عن الكبر والفخر والخُيَلاء، فهم لن ينالوا بكبرهم وفخارهم شيئاً يقصُر عنه غيرهم. ومرحاً هنا معناه متبختراً متكبراً.
وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْر” فقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَن يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعلُهُ حَسَنَةً. فقَال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ”.
ومعنى قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ” أنَّ من كانت في قلبه تلك الصفة من رد الحق وازدراء الناس بسبب تكبره فإنه لا يدخلُ الجنَّةَ مع الأولين، وإنما يدخلُها بعد عذابٍ، وقد يعفُو اللهُ عنه بكرمه ما لم يخرج من الاسلام.
ومعنى بطر الحق دفعه وردُّه على قائله، ومعنى غمط الناس احتقارهم. وبعض الناس يكفُرون بسبب تكبرهم. والله تعالى لا يغفر الكفر لأحد مات عليه والعياذ بالله.
وقولُه صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: “إِنَّ الله جَمِيْلٌ” أي جميلُ الصفاتِ، فالله تعالى موصوف بكل كمال يليق به، ويقال كذلك جميل بمعنى مـُجْمِلٌ مُحْسِنٌ، أي يُحسِنُ لعبادِه ويتكرّمُ عليهم بنِعَمِه. وليس معنى “جميل” هنا جمالَ الشكلِ والصورةِ، فاللهُ تعالى هو خالقُ الصّوَرِ والهيئاتِ والأشكالِ، وهو سبحانَهُ لا صورةَ ولا هيئةَ ولا شكلَ له، قال تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السّمِيعُ البَصِير” (الشورى، 11).
ومعنى قولِه صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:” يُحِبُّ الجَمَال” أي يحبّ من عباده أن يتخلقوا بالأخلاق الحميدة، أن يُحْسِنوا لمن أحسنَ إليهم ولمن أساءَ إليهم، وأن يَكُفُّوا أذاهُم عن غيرهِم، وأن يَصبِروا على أذى من يؤذيهم. ويحبّ الله تعالى من عباده كذلك أن يكونوا على النظافة في الثوب والبدن. والله تعالى يحبّ طهارة القلب من العبد لأن ذلك أبعد من الغل والحقد والحسد وسائر الأخلاق الذميمة التي نهى الإسلام عنها.