أبو اسماعيل ‏الهروي توفي سنة 481 هـ. وهو أحد أئمة المشبهة الضالة، فلا عبرة بما يرويه

Arabic Text By Jun 15, 2016

بعض الحشوية المشبهة الضالين نسبوا كلاماً في التشبيه إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، ‏والإمام من ذلك بريء. أخذوا تلك الأكاذيب من كتاب يسمونه “الفاروق” واضعه اسمه أبو اسماعيل ‏الهروي توفي سنة 481 هـ. وهو أحد أئمة المشبهة الضالة، فلا عبرة بما يرويه هذا الهروي مما ‏ينتصر به لتشبيهه وضلاله، وهو يكفّـر أهل السنة الأشاعرة ويحرّم ذبائحهم حسبما قال ابن السبكي ‏في طبقاته. بل حتى ابن تيمية طعن في الهروي هذا لكونه حلولياً والعياذ بالله مع أنه مدحه في أماكن. ‏وقال الكوثري في الهروي هذا: تجد في كتبه ما ينبذه الشرع والعقل.‏

فلا عبرة لدى أهل العلم بما ينقله الهروي الضال عن أبي حنيفة رحمه الله مع الفارق الزمني بينهما، ‏إذ توفي أبو حنيفة سنة 150 للهجرة أي قبل الهروي بأكثر من 300 سنة. والحق ‏والحقيقة ما ذكره الإمام الطحاوي المتوفى سنة 321 هـ. وهو من أئمة السلف الحقيقيين في عقيدته ‏أنه عقيدة أبي حنيفة وصاحبيه وأنه إجماع السلف رحمهم الله تعالى، قال أي الطحاوي:  “ولا تحويه ‏‏(أي الله) الجهات الست كسائر المبتدَعات (المخلوقات)”، معناه أن الله موجود بلا مكان، وهو ما قاله ‏البيهقي في كتاب الأسماء والصفات، وهو المروي عن سيدنا علي كما في كتب الإمام عبد القاهر ‏البغدادي، وهو الذي يدلّ عليه حديث: “كان الله ولم يكن شيء غيره” رواه البخاري وغيره.‏

ثم ما قاله الهروي يخالف ما في كتب الإمام أبي حنيفة نفسه وما رواه عنه أصحابه من التنزيه، وهو ‏مشهور معروف عنه في تنزيه الله عن الكيف والجهة والمكان كما في كتب الإمام: الفقه الأكبر ‏والوصية وغيرهما، وفي الوصية: “وهو (أي الله) حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو ‏كان محتاجًا لَمَا قَدرَ على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه كالمخلوقين. ولو كان (أي الله) في مكان محتاجًا ‏للجلوس والقرار، فقبل خلق العرش أين كان الله”،  ينكر أبو حنيفة رضي الله عنه على المشبهة ‏الضالة قولهم بنسبة الجلوس إلى الله.‏‎

وقال في الفقه الأبسط‎:‎‏ “كان الله ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق، كان ولم يكن أينٌ ولا خلقٌ ولا ‏شىء، وهو خالق كل شىء”، وقال: “فمن قال لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر. ‏كذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض”. وإنما كفَّر الإمام قائل ‏هاتين العبارتين لأنه جعل الله تعالى مختصًّا بجهة وحَيّز، وكل ما هو مختصٌّ بالجهة والحيز فإنه ‏محتاجٌ مُحدَث بالضرورة أي بلا شكّ. وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات أنَّ السماء والعرش مكان ‏لله تعالى بدليل كلامه السابق الصريح في نفي الجهة عن الله وهو قوله: “ولو كان في مكان محتاجًا ‏للجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله”. ‏

وكيف يُنسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بإثبات المكان لله وهو قال في كتابه الوصيّة: “ولقاء الله ‏تعالى لأهل الجنة حق بلا كيفية ولا تشبيه ولا جهة”. وقال في الفقه الأكبر‎:‎‏ “يراه المؤمنون وهم في ‏الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة”.‏‎

وقال في الفقه الأكبر‎:‎‏ “وليس قرب الله تعالى ولا بُعده من طريق المسافة وقصرها، ولكن على معنى ‏الكرامة والهَوان. والمطيعُ قريب منه بلا كيف، والعاصي بعيد عنه بلا كيف. والقرب والبُعد والإقبال ‏يقع على المناجي. وكذلك جواره تعالى في الجنة والوقوف بين يديه بلا كيف”اهـ. فبعد هذا البيان ‏وضح أنَّ دعوى إثبات المكان لله تعالى أخذًا من كلام أبي حنيفة افتراءٌ عليه وتقويلٌ له ما لم يقل.‏

أما الكلام المنسوب للإمام الشافعي في التشبيه ونسبة المكان إلى الله فهو مفترى عليه افتراه ‏وضاعون كذبة ورواه ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية الضال، ويرده ما عليه علماء الشافعية مما ‏رووه عن الشافعي رضي الله عنه من تكفير المجسم كما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر، وهو ‏قول الأئمة الأكابر من علماء الشافعية كالبيهقي والحليمي رحمهم الله.‏

وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء: “ءامنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل ‏واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك” ذكره الإمام أحمد الرفاعي في ‏البرهان المؤيد، والإمام تقي الدين الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد، وقال الشافعي أيضاً: “إنه ‏تعالى كان ولا مكان فخلق المكان، وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكانَ لا يجوز عليه ‏التغييرُ في ذاته ولا التبديل في صفاته” نقله الزبيدي فـي كتابه إتحاف السادة المتقين.‏

وقال ابن معلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي: “وهذا مُنتَظم مَن كفرُهُ مُجمَعٌ عَليهِ ومَن ‏كفَّرناهُ مِن أهلِ القِبلةِ كالقائلينَ بِخَلقِ القُرآنِ (معناه من قال صفة الله مخلوقة كفر. أهل السنة يقولون ‏إن الله موصوف بالكلام صفة أزلية بلا كيف ولا حرف ولا صوت. أما الحرف والصوت والورق ‏وما كُتب فيه وقراءة العبد لما في المصاحف، فكلّ ذلك مخلوق بلا شك كما قاله البخاري وغيره من ‏أئمة أهل السنة والجماعة، والمؤلف يريد هنا المعتزلة الضالة)، وَبأنَّهُ (أي الله) لا يَعلَمُ المَعدوماتِ ‏قَبلَ وُجودِها (هؤلاء كفار كذلك)، ومَن لا يُؤمِنُ بالقَدرِ (كفار كذلك)، وكذا مَن يَعتقدُ أنَّ اللهَ جالسٌ ‏على العَرشِ كما حَكاهُ القاضي حُسَينُ عن نَصِّ الشَّافِعيِّ” أي أن الشافعي نصّ على تكفير هؤلاء لأن ‏كلام المشبهة يؤدي إلى القول بأن الله محدَث لحدوث صفة له لم تكن له سبحانه في الأزل، وهذا كفر؛ أو ‏القول بأزلية العرش وهو كفر كذلك لأنه لا أزلي إلا الله تعالى، وكل ما سواه محدَث مخلوق، وهو ما ‏نصّ عليه الإمام السبكي في ابن تيمية أن كفرَه هذا لم يسبقه إليه أحد والعياذ بالله تعالى.‏

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.‏