قراءة القرآن على الميت المسلم مستحسن مستحب،ّ وليس هناك أدنى دليل على تحريم ذلك

Arabic Text By Jun 15, 2016

ليُعلم إخواني أن قراءة القرآن على الميت المسلم مستحسن مستحب،ّ وليس هناك أدنى دليل على تحريم ذلك لا من القرآن ولا من السنَّة، ولا يوجد أحدٌ من أئمة المذاهب قال بتحريم ذلك.

والأدلة العامة على جواز ذلك من القرآن كثيرة لما فيه من الآيات الواضحات الدالة على الأمر بفعل الخير، وقراءة القرآن من الخير بلا شك. وأما الأدلة العامة فمنها:

1- من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: “اِقْرَءُوا يَس عَلَى مَوْتَاكُم” رواه أبو داود والنسائي في “عمل اليوم والليلة” وابن ماجه وأحمد والحاكم وصححه ابن حبان.

ومّما استدلّ به العلماء على جواز قراءة القرآن عند قبر الميت المسلم وانتفاع هذا الميت بذلك الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلمٌ والترمذيُّ وأبو دَاودَ والنَّسَائِيُّ عن ابن عَبَّاسٍ انَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلَّم مرّ على قَبرينِ يُعَذَّبان أَحَدُهُمَا َكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَالآخَرُ َكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، فدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ اثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِداً وَعَلَى هَذَا وَاحِداً ثُمَّ قَال: “لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا”.

قال النووي: “واستَحَبَّ العُلَمَاءُ قِرَاءَةَ القُرآنِ عِنْدَ القَبرِ لِهَذَا الحَدِيث، لأَنَّهُ إِذَا كَانَ يُرْجَى التَّخْفِيفُ بِتَسْبِيحِ الجَرِيدِ فَتِلاَوَةُ القُرْآنِ أَوْلى”.

ثم قراءة القرآن من المسلم أعظم وأنفع من تسبيح عود أخضر.

2- والدليل من قول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:

قَالَ النَّوَوِيُّ وهو شافعي المذهب كما هو معروف، في كتاب الاذكار: “ورُوِّينَا فيِ سُنَنِ البَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُقْرَأَ عَلىَ القَبِر بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّل سُورَةِ البَقَرَةِ وَخَاتِمَتهَا”.

وهذا دليل يظهر أن من نسب ذلك الى الصحابة أو الشافعية فهو كاذب.

3- والدليل من كلام العلماء من المذاهب الأربعة:

– المالكية:

قال القرطبي: “باب ما جاء في قراءة القران عند القبر حالة الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّهُ يَصِلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابَ مَا يَقْرَأُ وَيُدْعَى وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ” من كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة.

وقَالَ الشَّيخُ أَحْمَدُ الدرْدِيرُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ خَلِيل: “المُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأسَ بِقِرَاءَةِ القُرْاَنِ والذِّكْرِ وَجَعْلِ ثَواَبِهِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُلُ لَهُ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ الله، وَهُوَ مَذْهَبُ الصَّالِحِين”.

-الحنابلة :

قال محمد بن أحمد المَرْوَرُّوذِيُّ أحد تلامذة الإمام أحمد: سـمعت أحمدَ بنَ حنبل يقول: “إذا دَخَلْتُمْ المقَابِر فَاقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيّ وَقُلْ هُوَ الله أَحَد ثَلاَثَ مَرَّات ثم قولوا: اللَّهُمّ اجْعَلْ فَضْلَهُ لأَهْلِ المقَابِرِ” من كتاب المقصد الأرشد.

-الحنفية :

قال الزَّيلَعِي: “باب الحج عن الغير: الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاةً كان أو صوماً أو حجاً أو صدقة أو تلاوة قرآن أو الأذكار أو غير ذلك من جميع أنواع البِرِّ، ويَصِلُ ذلك إلى الميِّتِ وَيَنْفَعُهُ” من تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق.

-الشافعية :

ذكر الحافظ النووي في كتابه الأذكار: “قال الشافعيُّ والأصحاب: يستحبّ أن يقرءوا عنده شيئاً من القران، قالوا فإن ختموا القران كله كان حسناً”.

وقال النووي في شرح المهذب: “يُسْتَحَبُّ لزائر القبور أن يقرأ ما تيسر من القران ويدعو لهم عقبها نصَّ عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب” ذكره الزبيدي في شرح إحياء الغزالي.

وأما ما يزعمه بعض المفترين من أن الشافعي يُحرّم قراءة القرآن على الأموات، فهو كذب عليه. ولا عبرة بما ينقل عن كتب بعض الفقهاء مما يخالف ذلك، لأنه وإن ثبت عنهم فلا عبرة بكلامهم لأنهم خالفوا قول الإمام المجتهد وهم ليسوا مجتهدين، فلا حق لهم في مخالفة كلام المجتهد الذي ينتسبون إلى مذهبه ولا معين لهم في غيره من المذاهب.

واتفق أهل السنّة على أن الأموات المسلمين ينتفعون بدعاء المسلمين الأحياء واستغفارهم لهم، فيدخل في ذلك دعاء الرجل بعد قراءة شيء من القرءان لإيصال الثواب للميت بنحو قول: اللَّهمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُهُ إِلَى فُلاَن.

وقال الإمامُ الطحاويُّ رحمه الله: “وفي دُعَاءِ الأَحْيَاءِ وصَدَقَاتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلأَمْوَاتِ، والله تَعَالَى يَسْتَجِيبُ الدَعَوَاتِ ويَقْضِي الحَاجَاتِ”.

فلو قُرئ القرآن على الميت عند القبر فهذا ينفع ولو لم يُتبعه بالدعاء لأن القرآن إذا قرئ تنـزل الرحمة فيستفيد هذا الميت.

أمّا قوله تعالى “وَأَن لَّيْسَ للإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى” (النجم، 39) فلَمْ يَنْفِ انْتِفَاعَ الميت المسلمِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ وإِنَّمَا نَفَى مِلْكه غَيْر سَعْيِهِ، وأمّا سعيُ غيرهِ فهو لِسَاعِيهِ إن شاء يَبْذُلُهُ لغيِره وإن شاء يُبقِيهِ لنَفْسِهِ. وهو سبحانه وتعالى لم يقل إن العبد لا ينتفع إلا بما سعى هو، وعموم الآية مخصوص بما ورد النص باستثنائه من صَدقة ودعاء ونَحْوِ ذلك كصلاة الجنَازَةِ فالميتُ ينتفع بذلك وهي ليست من سعيه ولا من عمله.

وأما حديث: “إِذَا مَاتَ الإِنساَنُ انْقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثة: إلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ” رواه مسلم، فهذا الحديث ليس فيه تحريم قراءة القرآن على الميت المسلم، إنما معنى الحديث نفي استمرار العمل التكليفي الذي يتجدد به للميت ثواب عمله الصالح الذي كان يفعله أثناء حياته قبل موته إلا ما استثناه الرسول من أشياء يستمرّ ثوابها كما بيّن الحديث.

أما أن ينتفع الميت بعمل غيره فليس ممنوعاً بدليل أن الميت ينتفع بدعاء غيره والصدقة عنه ولو من غير ولده، فكذلك ينتفع الميت بدعاء قارئ القرآن إذا قال القارئ مثلا: اللّهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان، وهذا قول علماء الأمة بلا مخالف.