دفاعاً عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه،
الحمد لله تعالى وبعد، فقد مدح الله تعالى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ومدح النبيّ صلى الله عليه وسلم خصوصاً سيّدي هذه الأمة أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
ومن أوصاف سيدنا عمر رضي الله عنه خصوصاً أن الله تعالى جعل الحق على لسانه وقلبه، رواه أحمد وغيره، ومن أوصافه كذلك أنه الفاروق، سماه به النبيّ صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن عساكر، وذلك لأنه كان يفرق بين الحق والباطل.
وبعض المبتدعة يتهمون سيدنا عمر بأنه كان جباناً يخاف المشركين، وهذا خلاف المعروف المشهور من سيرته رضي الله عنه ونصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودفاعه عن المستضعفين من المسلمين الأوائل، وتشهد لذلك الفتوحات التي قام بها في عهده في شرق البلاد وغربها.
وما يذكره أولئك المبتدعة من بعض الروايات بشأن يوم حنين وفيها عن أبي قتادة رضي الله عنه: “وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِى النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.. إلى آخر الحديث.. رواه البخاري.
فقول أبي قتادة: “فإذا بعمر بن الخطاب في الناس” أي واقف في الناس، وهذا محمول على أن عمر رضي الله عنه يقف وقفة الثابت، لأنه إذا كان ابو قتادة منهزماً هو وبعض المسلمين فما فائدة سؤال ابي قتادة سيدنا عمر عن انهزام الآخرين ما دام هو وعمر منهزمين معاً على زعمهم؟!
ولذلك تحمل عبارة فإذا بعمر بن الخطاب (في الناس) على انه كان (في الناس) يحض المنهزمين على الثبات والرجوع فلذلك نجد انهم رجعوا (ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كما جاء في الحديث، ثم كما هو معروف في الحروب هناك كر وفر.
ويؤيد ما ذكرناه قول الراوي بعدها: “ثم تراجع الناس إلى رسول الله”.
وانظر إلى سؤال أبي قتادة لعمر فإنه قال له: “ما شأن الناس؟”، فقال عمر رضي الله عنه: ”أمر الله” يريد أن تقدير الله نافذ، فلم يفته وهو في هذا الموقف بيان ان كل شيء بتقدير الله وإرادته، إذ يبعد أن يريد أن الفرار بأمر الله بمعنى أن المسلمين مأمورون بالفرار.
وما ذكرناه توضحه كذلك رواية الطبري في تاريخه قال: فانطلق الناس إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل، وبعض غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ثم لنقرأ الآية القرآنية التي نزلت في حنين في سورة التوبة: “لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأرضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.
فهل تدل هذه الآية على أن الله نصر قوماً باؤوا بغضب الله ومأواهم جهنم!، وهل ينزل الله سكينته على من باؤوا بغضبه وكان مأواهم جهنم!.
وعلى أي حال فالكلام في مثل سيدنا عمر رضي الله عنه والطعن فيه مردود لا يُـقبل ولا سيما أن ما قدمه لأمة الإسلام متواتر مشهور يعرفه القاصي والداني، فالطاعن في عمر رضي الله عنه من حيث الحقيقة طاعن في نفسه، والحمد لله تعالى.
وفق الله كاتبها وناشرها وختم لنا بخير، ءامين
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.