“أبو اعرفوني.. أبو اعرفوني”!!!
روى الحافظ الخطابي رحمه الله (توفي سنة 388 وهو من أكابر العلماء المجتهدين) في كتاب العزلة عن عمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال يَعِظُ رَجُلاً: “لا تَتَكَلَّمْ فِي مَا لا يَعْنِيكَ، وَاعْتَزِلْ عَدُوَّكَ، وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ إِلا الأَمِينَ، وَلا أَمِينَ إِلا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُطِيعُهُ. وَلا تَمْشِ مَعَ الْفَاجِرِ فَيُعَلِّمكَ مِنْ فُجُورِهِ، وَلا تُطْلِعْهُ عَلَى سِرِّكَ، وَلا تُشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ إِلا الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ”، موعظة بليغة من سـيّدنا عمر رضي الله عنه، الله يرزقنا العمل بها.
الذي يخشى الله تعالى هو من تعلم ما أوجب الله عليه من علم الدين، ولا سيما أمور الاعتقاد على مذهب أهل السنة والجماعة من الثقات أهل المعرفة بالمشافهة وثبت على ذلك الاعتقاد بلا تحريف، وكذلك تعلم من الأحكام ما يصحّح به صلاته وصيامه وسائر عباداته على طريقة الفقهاء من أهل السنة والجماعة، ويؤدّي ما أوجب الله عليه من الفرائض، ويجتنب ما حرّمه الله عليه من المعاصي، وهذا كله لا يتأتى إلا بالعلم، فنحن لا يأتينا جبريل بالوحي لذلك كان لزاماً علينا الرجوع إلى أهل العلم الثقات، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ” (الإسراء، 36)، دلت الآية على أن الإنسان ليس له أن يُفتي بحسب هواه إلا بالدليل، وليس كلّ واحد يُستفتَى إلا الثقة الأمين.
هذا هو التقيّ، وليس مجرّد أن يُعفي إنسانٌ ما لحيتَه ويقصّر ثوبه ويحمل السواك ويتردّد إلى المساجد للجماعات ويحمل السبحة. هذا كله حسن. ولكن أفضل من ذلك تقوى الله بما تقدّم، ثم هذه المذكورات سنن مستحبات على خلاف في الفرائض الخمس جماعةً، قيل سُـنة وبعضهم قال فرض كفاية، وبعضهم قال فرض عين بشروط عندهم، لكن ليس خلف أيّ إمام يقف بالناس كجاهل في أمور الدين لا يُحسن صلاة ولا وضوءاً. كذلك لا يُقدّم مبتدع كمجسّم مشبه من أتباع ابن تيمية للصلاة بالناس، هذا لا يُقدّم ليأتم الناس به لأن الصلاة خلفه فاسدة لا تصحّ. الفاسق والجاهل والمبتدع لا يقدَّمون للإمامة، بل يقدم الثقة المأمون وإن بلا لحية ولا سواك ولا سبحة.
أما أن يغش الناس بالتشبه بأهل الفلاح بتطويل اللحية أو السبحة أو إطالة الصلاة وسرد الصيام وهو جاهل بعلم الدين الواجب تعلمه عيناً ويتصدّر للمشيخة وأمور الآخرة، فهذا فوق كونه فاسقاً ملعوناً، فإنه غشاش خبيث.
كان في الزمن الماضي رجلٌ يتصدّر يحدّث الناس يقصّ عليهم، فمرّ سيدنا علي رضي الله عنه به (استمع إليه فوجده جاهلاً متصدّراً بين الناس يتكلم فيهم)، قَالَ: “مَا كُنْيَتُكَ؟”، قَالَ: أَبُو يَحْيَى، قَالَ: “بَلْ أَنْتَ أَبُو اعْرِفُونِي”. رواه الحافظ عبدالرزاق الصنعاني رحمه الله.
سيدنا عمر ما سكت عن أداء النصيحة، ومثله سيدنا علي رضي الله عنهما لم يسكت.
التصدّر للمشيخة والعلم، يقول أحد هؤلاء الجهلاء: أنا علامة (بتشديد اللام)، أنا فقيه، أنا محدّث، أنا أنا.. بعض هؤلاء عجباً لا يكتفي يقول أنا عالم حتى يقول علامة، فإن كان كما قال وقد شهد له العلماء والمحدثون والفقهاء، فذاك الأمر، وإلا فهو إما مجنون أو أنه أبو اعرفوني، وبئس الـ”أبو اعرفوني” أمثال هؤلاء، فتذكروا وصية عمر رضي الله عنه.