هو ‏الإنسانُ إذا احتَجّ بالقدَر بَعدَما تابَ مِن مَعصِيَتِه لا يُعترَضُ علَيه. أمّا قبلَ أن يتوبَ وهو مقِيمٌ ‏على معصيتهِ ليسَ لهُ

Arabic Text By Jun 15, 2016

 

ﻣﻦ ﺇﺭﺙ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻦ علم ﺷﻴﺨﻨﺎ الفقيه الحافظ الأصولي ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻬﺮﺭﻱ قال رحمه الله‎:‎‏ هو ‏الإنسانُ إذا احتَجّ بالقدَر بَعدَما تابَ مِن مَعصِيَتِه لا يُعترَضُ علَيه. أمّا قبلَ أن يتوبَ وهو مقِيمٌ ‏على معصيتهِ ليسَ لهُ أن يُدافعَ عن نَفسِه ويقولَ اللهُ قَدّر عليّ. ليتُب ثم ليَقُل كانَ ذلكَ بقَدَر. أمّا ‏أن يحتَجَّ بالقدَر وهو بَعدُ مقِيمٌ على معصيتِه فذلكَ أمرٌ مذموم وإن كانَ في اعتقادِه أنّ ذلكَ ‏بقَدَر، لأنّ معتقَد المسلم أنَّ كلَّ ما يفعَلُه مِن خَيرٍ أو شرّ بقدَر اللهِ أي بتقديرِه، لكن لا يحتَجّ ‏بالقدَر للدّفاع عن نفسه وهو بَعدُ لم يتُب، لأنه يكونُ معنى ذلك كأنّهُ يقولُ ما عليَّ مَلام لأنّهُ ‏مُقَدَّر. هوَ مُقدَّرٌ مِن قِبَل الله تعالى، لكن العبد ليسَ لهُ أن يرتكبَ المعصِية ثم يحتَجّ بالقدَر وهو ‏بَعدُ مُقِيمٌ على معصيتِه.‏

أمّا بعدَ التّوبة فإذا قالَ ذلكَ ليسَ بقَبِيح منه. عائشةُ رضي الله عنها بعدَما تابَت مِن تلكَ الخَرْجَة ‏التي خَرَجَتْها مِن مكّةَ إلى العراق إلى البَصرة قالت ذلك. إثْرَ قَتْلِ عثمان خرجَت (عائشة) مِنَ ‏المدينة إلى مَكّة بنِيّة الحَجّ، ثم في مكّة بعضُ الناس الذينَ أرَادُوا أن يُظهِروا تحَمُّسَهُم لدَم ‏عثمانَ (أي للانتقام من قتلة عثمان بن عفان الخليفة الراشد) قالوا لها تَذهَبِين معَنا لعَلّ الأمرَ ‏ينصَلِحُ بكِ، طاوَعتْهُم فتَوجّهَت نحوَ البَصْرة (في العراق)، ثم حصَل لها في الطّريق أمْرٌ ‏ذَكّرها حديثَ رسولِ الله الذي كانَ قالَه لنسَائه وفيهم عائشة، قال: “أيَّـتُكُنّ صَاحبَةُ الجمَلِ ‏الأدْبَب تَنبَحُ علَيها كِلابُ الحَوأَب” رواه أحمد.‏

فلما وصَلَت في سَيرِها إلى العراق إلى مكانٍ فيهِ ماءٌ سمِعَت نُبَاح الكِلاب فسألَت ما اسم هذا ‏المكان قيلَ لها الحَوأب، فذكَرَت حديثَ رسولِ الله، انزعَجَت ما ارتاحَ خَاطرُها، فأَلحُّوا علَيها ‏قالوا لها تذهَبِينَ معَنا لعَلَّ اللهَ يُصلِحُ بكَ أمرَ المسلمين، ألحّوا عليها وكانَ مُقَدَّرا مِن قِبَلِ الله.‏

ذهَبت معهم وهيَ غيرُ مُرتاحَة لذلكَ، فلَمّا وصَلُوا إلى المعسكَر الذي فيه معَسكر المقاتلينَ ‏لعَليّ مكَثَت في هذا المعسكَر بدَل أن تَذهَب إلى عليّ وتُذاكِرَه (عليّ كان هو الخليفة الراشد ‏بعد عثمان)، هذا كانَ ذنبها ومعصيتها (وقوفها في المعسكر المضاد للإمام عليّ، وهذا فيه ‏تشجيع لبعض الناس على الوقوف في ذلك المعسكر، وكانت تبكي كثيراً بعد ذلك لما فعلته، ‏وهو دليل على أنها ندمت على الوقوف مع أولئك)، هذا مُرادُها بقولها كانَت بقَدَر (أي قالتها ‏بعد التوبة).‏

وفي حديثِ رسولِ الله تتمَّة أنّهُ عليه الصلاة والسلام قال “انظُري يا عائشةُ أن لا تَكُوني أنتِ” ‏لكن القَدَر لا يَردُّه شَيء. ما قَدّر الله أن يكونَ لا بُدّ أن يكون. فمَع ذكرها للحَديث وانزعاجِ ‏نَفسِها مِن ذلكَ مضَت إلى أن وصلَت إلى ذلكَ المكان، إلى المعسكَر ومكَثَت فيه، ما ذهبَت ‏إلى معسكَر عليّ رضي الله عنه.‏

الجمَل الأدْبَب معناه الكثير الشَّعَر، وكانَ الجمَل الذي قُدّم لعائشة حينَ توَجُّهِها مِن مكَّةَ إلى ‏البَصرة بهذه الصّفة، كانَ كثيرَ الشَّعَر في عنُقِه ومَا حملَه، يقالُ للجَمل إذا كانَ كثيرَ شعَرِ ‏العنُق أدَبُّ، الأدبَب مِن أجلِ السَّجع، مِن أجلِ الازدِواج أي اتّفاقِ الكَلِمَتَين المتقَابِلَتَين، مِن ‏أَجلِ الازدِواج مع كلمةِ الحَوأب. هيَ عائشةُ رضيَ الله عنها ما دافَعَت عن نَفسِها، ما قالَت أنا ‏باجتِهادِي فعَلْتُ هذا أنَا لي أَجر، ما قالَت كما يقولُ بعضُ الناس.‏

بعضُ النّاس يقولونَ كلُّ مَن كانَ مِن أصحابِ رسولِ الله ففِعلُه لا يُنتَقَد كائنًا ما كانَ، هذا غلَط. ‏عائشةُ قالت كانَت بقَدَر، فقط، ما زادَت على ذلك. ما قالَت أنا كنتُ على اجتِهادي، أنا لي ‏ثواب على اجتِهادي. انتهى كلامه رحمه الله ونفعنا به دنيا وآخرة، آمين