ليس إذناً بالكفر والضلال والفساد ولا سماحاً بذلك ما جاء في سورة الكهف من كتاب الله تعالى: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها” (الكهف، ٢٩)، ولكن هذا معناه أن الذي يختار اﻹسلام فهو ناج في اﻵخرة من العذاب اﻷبدي ولا بد أن يفوز بدخول الجنة من دون سبق عذاب أو بعد عذاب لمن لم يسامحهم الله تعالى لما ارتكبوه من كبائر ذنوب لم يتوبوا منها، وهذا فقط لمن مات على الايمان.
وقول الله تعالى “ومن شاء فليكفر” هذا على التهديد والوعيد، معناه أن الذي يكفر فقد هيأ الله له العذاب في اﻵخرة يدخل جهنم خالداً فيها أبداً. هذا وعيد وليس إذناً بالضلال وعبادة الحجر والبقر والفئران كما هو حاصل من بعض الناس.
وليس معنى اﻵية أيها الناس إن شئتم آمنتم وإن شئتم كفرتم. ليس معناها انه ليس عليكم حرج سواء آمنتم أو كفرتم.
هذا فساد عريض لم يقل به أحد من المسلمين، فسلف الأمة وخلفها متفقون على أن أساس ما جاء به الأنبياء هو الأمر بالإيمان بالله وحده لا شريك له، وأن من خالف ذلك الأمر الربانيّ فمآله إلى جهنم خالداً فيها أبداً كما قال كتاب ربنا سبحانه.
ليس معنى الآية أن الكفر والضلال وفعل الشرور رخصةٌ لمن أراد فعلها، إنما معناها تهديد وتوعّد ﻷن الله أتبع ذلك بقوله “إنا أعتدنا للظالمين” أي للكافرين “ناراً أحاط بهم سرادقها”، والمعنى أن من آمن منكم فلنفسه أي ينفع نفسه، ومن كفر فإنا أعتدنا للظالمين أي للكافرين ناراً، هيأنا لهم ناراً أحاط بهم سرادقها، معناه أنهم محفوفون في جهنم من جميع الجهات، فجهنم لها أرض مستقلة غير أرضنا هذه وغير اﻷرض السابعة ولها جدران حتى يقوى الحر عليهم، ولها غطاء لها سقف كذلك ليزداد الحر قوة.
قال ابن منظور في لسان العرب السرادق ما أحاط بالبناء، وبناء مسردق يكون أعلاه وأسفله مشدوداً كله.
لو أن الله سمح لﻹنسان بأن يعتقد ما يشاء من الكفر والضلال، لما أرسل سبحانه اﻷنبياء ولترك الناس ليعتقد كل واحد منهم ما يشاء من غير إنذار وتخويف للكافرين بالنار والعياذ بالله.
ومن نفائس الإسلام أن يُردّ على أولئك الفاسدين المفسدين بأن نقول لهم من باب التبكيت: لو كان يجوز للانسان ان يعتقد ما يشاء، فلأي شيء خلق الله جهنم؟!
وأما قوله تعالى “لا إكراه في الدين” فليس إذنا بالكفر، ولكن معناه انت يا محمد لا تستطيع إكراه قلوب الكفار لتنقلب من الكفر الى اﻹيمان، وهذا موافق لقوله تعالى “لست عليهم بمصيطر”، أي يا محمد ﻻ تستطيع أن تسيطر على قلوب الكفار لتقلبها من الكفر الى اﻹيمان، إنما الذي يقلّب القلوب كيف يشاء هو الله تعالى وحده، وعلى ذلك يدل قول النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى: “يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك” وهذا تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم، وإلا فالرسول معصوم من الكفر قبل أن يوحى إليه بالنبوة وبعد أن أوحيَ إليه بالنبوة والرسالة صلى الله عليه وسلم. لا يحصل كفر من الأنبياء ألبتة. والحمد لله تعالى.
اللهم باعد كاتبها وناشرها والداعي لهما برؤية الرسول، من جهنم، آمين
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.