قولُ أهلِ الحقّ إنَّ الله منـزَّهٌ عن الحدّ

Arabic Text By Jun 09, 2016

نفيسة في علم العقيدة الإسلامية:

قالَ أهلُ الحقّ (أهل السنة والجماعة): العالَـمُ جوهرٌ أو عَرَضٌ، فالجوهرُ ما ‏له حَجمٌ وهو قِسمانِ: قسمٌ مُتَناهٍ في القِلَّةِ بحيثُ لا ينقسِمُ، وقسمٌ ينقسِمُ ويسمَّى ‏جسمًا. فالأولُ (الذي لا ينقسم) يسمَّى الجوهرَ الفردَ (وهو) الجُزءَ الذي لا ‏يَتَجَزأُ. وأما العَرَضُ فهو ما يقومُ بالجوهرِ أي ما كانَ صفةً له (أي أن ‏العَـرَض ما كان صفة للجوهر) كحركةِ الجسمِ وسكونِهِ وتَحَيُّزِهِ في حَيّزٍ ‏‏(والحيّز هو المكان والجهة). فأما الله تباركَ وتعالى فهو غيرُ ذلِك كلّهِ (ليس ‏جوهراً ولا جسماً ولا هو صفة لهما). يستحيلُ أن يكونَ (اللهُ تعالى) جوهرًا ‏فردًا، أو جَوهرًا متألّفًا بحيثُ صارَ جسمًا. وهذا معنى قولِ بعضِهِم (من أهل ‏العلم) إنَّ الله منـزَّهٌ عن الكَمّيةِ والكَيفيةِ. ولا شيءَ سوى الله تعالى كذلك. وأما ‏قولُ أصحابِ الهَيُولى إنها (أي الهيولى المزعومة) ما لا كميةَ له ولا كيفيةَ ‏فهو باطِلٌ (وهم الفلاسفة الضالون).

وقولُ أهلِ الحقّ إنَّ الله منـزَّهٌ عن الحدّ هذا معناه لأنَّ الله لو كان جوهرًا فَردًا ‏لكانَ الجوهرُ الفردُ مِثلاً له (وهذا ضلال). ولو كانَ زائِدًا على ذلك إلى حَدّ ‏أكبرِ الأجرامِ وهو العرشُ أو أَزيَدَ إلى قَدر يتناهَى أو إلى قَدرٍ يُفتَرَضُ أنه لا ‏يَتَنَاهَى، لَلَزِمَ كونُه (سبحانه) مؤلفًا أي مركَّبًا، والمؤلَّفُ (بفتح اللام المشددة) ‏يحتاجُ إلى المؤلّفِ (بكسر اللام المشددة)، والمحتاجُ إلى غيرِهِ حادِثٌ ‏‏(مخلوق) لا بُدَّ (والله منزه عن الحاجة والتأليف، فهو منزه عن الجسمية ‏والكيفية والمكان).

وهذا قولُ عليّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنهُ: “مَن زَعَمَ أن إلهنَا محدودٌ فقد ‏جَهِلَ الخالقَ المعبودَ” رواه أبو نُعَيم، وقولُ عليّ بن الحسينِ بنِ عليّ بن أبي ‏طالبٍ رضيَ الله عنهُم (أي القائل هو) زينُ العابدينَ: “إنَّ الله ليسَ بمحدودٍ” ‏رواه بالإسنادِ المتَّصلِ الإمامُ الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزَّبيدِيُّ في إتحافِ ‏السادةِ المتقينَ، وقولُ أحمدَ بن محمدِ بنِ سلامةَ الطحاويّ: “تعالى ـ أي الله ـ ‏عن الحدودِ”، ولذلك استحالَ على الله أن يكونَ متَّصلا بالعالَمِ أو حالًّا فيه أو ‏مبايِـنًا له بالمَسافةِ (أما أن يكون الله تعالى مبايناً للعالم بمعنى أنه لا يشبهه ‏فهذا حق). وهذا هو الحقُّ الذي لا يَصِحُّ غيرُهُ، وذلك لأنَّ المخلوقاتِ إما أن ‏تكونَ متَّصِلَةً ببعضِها أو منفصلةً بعضُها عن بعضٍ، وكِلا الوجهينِ مستحيلٌ ‏وصفُ الله بهِ، وذلك لأنه يَلزمُ منه إثباتُ المِثلِ لله، والله تبارك وتعالى نفَى عن ‏نفسِهِ المثلَ على الإطلاقِ. قال الله تعالى: “ليس كمثله شيء”.

فإن قالَ الحَشَوِيّةُ المجسّمةُ المثبتونَ لله الحدَّ (أي الحجم والكمية وهذا قول ‏أتباع ابن تيمية الضالّ): هذا نَفيٌ لوجودِ الله، يقالُ لهم: أنتم بنيتُم اعتقادَكُم على ‏ما يَصِلُ إليه الوهمُ، ولا عبرةَ بالوهمِ إنما العبرةُ بالدليلِ الشرعيّ والعقلِ، ‏وهذا الذي قرّرناه هو ما يقتضيهِ النقلُ والعقلُ. فإن قلتُم (أيها المشبهة) لا ‏نؤمنُ بما لا يَصِلُ إليه وهمُنا، (قلنا لكم:) فقد أنكرتُم مخلوقًا لا يَصِلُ إليه ‏وهمُكم مما أثبته القرآنُ كقولِهِ تعالى: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾، فالنورُ ‏والظلامُ مخلوقانِ حادِثان بشهادةِ القرآنِ، فهل يَفهَمُ تصوُّركم وقتًا لم يكن فيه ‏نورٌ ولا ظلامٌ وقد ثَبَتَ ذلكَ بهذِهِ الآيةِ ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ أي أنَّ الله ‏خلقَ الظلماتِ والنورَ بعد أن لم يكونا، أوجَدَهُما بعدَ أن كانا معدومَينِ، وهذا لا ‏تَصِلُ إليه أوهامُنا ولا أوهامُكم، ولا يتطَرَّقُ إليه تصوُّرُنا ولا تصوُّرُكم.

نقول: مَن يستطيعُ أن يَتصوَّرَ وقتًا لم يَكُن فيه نورٌ ولا ظلامٌ؟ ومع ذلك يجبُ ‏أن نؤمِنَ أنه كانَ وقتٌ – أي مخلوقٌ – لم يكن فيه نورٌ ولا ظلامٌ، لأنه بعدَ خلقِ ‏الماءِ والعرشِ، خَلَقَ اللهُ النورَ والظلامَ. فأولُ ما خَلَقَ الله الماءَ ثم العرشَ. ‏فإذًا، النورُ والظلامُ ما كانا إلا بعدَ وجودِ الماءِ والعرشِ.

وليُعلم كذلك أنَّ ما جازَ عليه الدخولُ والخروجُ فهو مخلوقٌ لله الواحدِ الذي ‏ليسَ كمثلِهِ شَيءٌ. ولا نقول الله داخل العالم ولا نقول الله خارج العالم لأن نسبة ‏المسافة والتقدير بالمساحة في حق الله كفر من معتقده، قاله الزبيدي في ‏الإتحاف. أرجو الدعاء

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.‏

وفق الله كاتبها وناشرها وختم لنا بخير، آمين

.