في النهي عن المنّ والغيبة،
الله تعالى جعل للإنسان جوارح ليستعملها في طاعته سبحانه، وسلطان هذه الجوارح وأميرها هو القلب الذي صلاحُه صلاحُ للجسد كله وفساده فساد للجسد كله كما جاء في الحديث الشريف. ومن جملة معاصي القلب التي يقع فيها كثير من الناس من غير انتباه إلى الأذى الذي يكون بسببها، المَنُّ بالصدقة، وهو يبطل ثوابَ تلك الصدقة، كأن يقول لمن تصدّق عليه: أليس أعطيتك كذا يوم كذا وكذا؟
فالمنُّ بالصَّدقة من كبائر الذنوب ومثاله أن يُعدّدَ نِعمتَه على آخذها حتى يكسِرَ قلبَه، أو يَذكرَها لِمَن لا يُحِبُّ الآخِذُ اطّلاعَه عليها، قالَ الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذَى”. وإنّما ذكر العلماء المنّ بالصدقة من جملة مَعاصي القَلْب لأنّ المَنّ يكون أصلاً في القلبِ وذلك أنّ المَانَّ يقصِدُ إيذاءَ الشّخصِ فيتفَرَّعُ من ذلك القصد العمَل البَدني وهو ذِكرُ إنعامِه على الشّخصِ بلِسَانهِ.
ومن جملة المعاصي التي يقع فيها الكثيرون كذلك الغيبة، وهي ذِكرك أَخاكَ المسلمَ الحيَّ أو الميّتَ بما يكرَهُه لو سمعَ، سواءٌ كان مِما يتعلقُ ببدنهِ أو نَسَبه أو ثَوبه أو دارِه أو خُلُقِهِ كأن يقولَ فلانٌ قصيرٌ، أو أحوَلُ، أو أبوه دَبّاغٌ أو إسكافٌ أو فلانٌ سيّئ الخُلُقِ، أو قليلُ الأَدَب، أو كثيرُ النّوم، أو كثيرُ الأكل، أو وسِخُ الثياب، أو دارُه رَثَّةٌ، أو ولَدُه فلانٌ قليلُ التّربيةِ، أو فلانٌ تحكمُه زوجتُه، ونحوُ ذلك مِنْ كلّ ما يَعلَمُ أنّه يكرَهُه لو بلَغه.
وروى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسولَ الله قال: “أتَدرُونَ ما الغِيبةُ” قالوا: الله ورسولُه أعلمُ قال “ذِكرُك أخاك بما يكرَهُ”، قال: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ قال عليه الصلاة والسلام: “إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبتَهُ، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّهُ”. والغيبةُ لأهلِ الصّلاح والتّقوى بلا شكَّ كبيرةٌ من الكبائر. أما التحذير من أهل الباطل ولا سيما في العقيدة فليس من الغيبة المحرّمة بل هذا واجب شرعي.
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.