شرح لما قاله الطحاوي رحمه الله في مسألة المشيئة نقول: قال الله تعالى: “وَلَوْ شِئنَا لآتَينَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِن حَقَّ الْقَولُ مِنِّي لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ” (السجدة، 13)، الجنة بكسر الجيم.
والمعنى أن الله علم بعلمه الأزلي الذي لا يتغيّر ولا يتخلف أنه ليس كل الناس والجن يكونون مؤمنين. ذلك لا يكون فلم يشأه. الله علم أنه سيكون من الناس من يكفر به سبحانه، هو خلقهم وهو عالم بأحوالهم، “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” (الملك، 14).
وكلّ صفات الله تعالى أزلية لا تحدُث منها صفة، لأنها لو كانت مُحدَثة (بفتح الدال) لكان لها خالقٌ محدِثٌ (بكسر الدال)، والله خالقٌ غيرُ مخلوق ولا محدَثٍ (بفتح الدال)، بل هو الخالق المحدِث (بكسر الدال) لكل شيء، قال الله تعالى: “لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون” (الأنبياء، 23).
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: “من قال بحدوث صفة من صفات الله أو شك أو توقف كفر” ذكره في كتابه الوصية. كل صفات الله أزلية، هذا هو الحق. الله لا يتغيّر ولا تتغيّر صفاته.
ومعنى “أو توقَّف” كأن يقول أنا لا أجزم بحدوث صفة من صفات الله ولا أنفي، فمن قال هذا فإنه يكفر، لأن معنى كلامه أنا لا أعرف هل الله أزلي أم هو تعالى مخلوق، لأن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات.
وليس معنى القدَر الإجبار وسلب المشيئة عن العباد، ولكن القدَرَ إظهارُ ما علم الله من العبد أنه سيفعله من غير إجبار للعبد. والعبد لا يبلغ مرتبة يخرج فيها عن مشيئة الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالعبد مختار تحت مشيئة الله، قال الله تعالى “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ربُّ العالمين” (التكوير، 29)، هذا عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا عقيدة الإسلام. أرجو نشره والدعاء.