قال الطحاوي رحمه الله: والعرشُ والكرسيُّ حقٌّ.. وهو (أي اللهُ تعالى) مُستغنٍ عن العرشِ وما دونَهُ، محيطٌ (إحاطة علم) بكلّ شيءٍ وفوقَه (فوقية قهر قال الله تعالى: “وهو القاهر فوق عباده” (الأنعام، 18))، وقد أعجز عن الإحاطة خلقَه.ا.هـ.
قال القرطبي في تفسيره عند ذكر آية الكرسي (الآية 255) من سورة البقرة: والعليّ (أي في أسماء الله تعالى) يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله منزه عن التحيز. والعليّ والعالي القاهر الغالب للاشياء، تقول العرب علا فلان فلاناً أي غلبه وقهره، قال الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومنه قوله تعالى: “إن فرعون علا في الارض”. والعظيم (من أسمائه عز وجل) صفة بمعنى عظيم القدر والخطر والشرف لا على معنى عظم الاجرام.ا.هـ.
يريد القرطبي رحمه الله أن الله منزه عن المكان وعن الجسمية وعن سائر صفات الأجسام لاستحالة ذلك عليه عقلاً وشرعاً سبحانه؛ وفي كلامه كذلك دليل على أن الاستواء يطلق بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة بلا مغالبة لقوله إن العليّ معناه القاهر الغالب للأشياء. والأصل قول الله تعالى: “وهو القاهر فوق عباده”، وقول الله تعالى: “والله غالب على أمره”، فلو أوهم تفسير الاستواء في قوله تعالى “الرحمن على العرش استوى” بالغلبة والقهر والاستيلاء مغالبة بين الله وخلقه، لكان قوله تعالى “والله غالب على أمره” أولى بالإيهام، ولكن هذا غير جائز ولا سديد، وقد قال الله تعالى: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي”، ثم العرب قالت: “ولـيُغلبن مغالبُ الغلاب” (أنظر لسان العرب لابن منظور)، وقوله ليُغلبن هو بفتح اللام وضم الياء وتسكين الغين وفتح اللام والباء والنون المشددة.
فوصف الله تعالى بالغلبة والقهر والاستيلاء وأنها من معاني الاستواء الجائزة في حق الله تعالى، معروف عند العرب، ومن ردّه فلجهله، والأصل في ذلك نفاذ مشيئة الله تعالى في العرش الممسوك في مكانه بقدرة الله تعالى، فغيره مما هو أصغر منه الله أقدر عليه، نافذة مشيئته تعالى في الكلّ بلا مضاد ولا ممانعة. وخصّ الله تعالى العرش بالذكر وإن كان قاهراً له ولكلّ ما سواه كما خصّ تعالى العرش بالذكر في قوله تعالى “وهو ربّ العرش العظيم” مع أنه عز وجلّ ربّ لكلّ شيء، العرش ليس استثناء في كونه مربوباً لله تعالى..