البلاء على المؤمن علامة خير، وقد ابتلي الأكابر ليزدادوا عند الله رفعة وشرفاً. فقد كَثُرَتْ البلايا والأمراضُ على نبيِّ اللهِ أيوبَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ طيلةَ ثماني عشرةَ سنةً، وهو صابرٌ محتسبٌ يرجُو الثوابَ مِنَ اللهِ تعالى، قال اللهُ تعالى:”وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيطَانُ بِنُصبٍ وَعَذَابٍ” (ص، ٤١).
هذا ليسَ معناه ان الشيطان مَسَّ جسمَهُ، ولكن الشيطان هَدَمَ دارَهُ وقَتَلَ أطفالَهُ وأتلفَ مالَهُ. لَم يَتَسَخَّط أيوب على اللهِ ولا عصى اللهَ تعالى. ما تَرَكَ فرضًا فَرَضه اللهُ عليهِ من أجلِ هذه الآلامِ والمصائبِ ولا تَسَخَّطَ على قضاءِ اللهِ، بل ظلَّ حامدًا للهِ وشاكرًا لهُ. وقد قالَ العلماءُ: “الصبرُ على البلاءِ بانتظارِ الفرجِ مِنَ اللهِ عبادةٌ”. هو أيوب صَبَرَ صبرًا جَـميلا، لَـم يبقَ من جسدِهِ سليمًا إلا قلبُهُ ولسانُهُ يذكرُ اللهَ في كلِّ أحوالِهِ ليلا ونـهارًا صباحًا ومساءً. ثم ذاتَ يومٍ اثنان مرَّا بـجانبِه فقالَ أحدُهُـما للآخرِ: أنا أظنُّ أيوبَ أذنبَ ذنبًا ما أذنبَه أحدٌ، كفر والعياذ بالله. فلما سَمِع أَيوب دعا الله فاستُجِيبَ دعاؤُهُ وأعطاهُ الله أولادًا بدلَ الذينَ فقدَهُم وعَوَّضَ عليهِ. أعطاهُ اللهُ ضعفًا من الأولادِ أربعةَ عشرَ وأربعةَ عشرَ، وأمطرَ لَهُ جرادًا من ذهبٍ وجرادًا من فضةٍ، كَوْمَةً مِنْ ذهبٍ وكَوْمَةً من فضةٍ. وَرَدَّ اللهُ زوجتَهُ رحـمةَ إلى شَبِيبَتِهَا.
ما كانَ أيوب يدعُو بالشفاءِ لنفسِهِ ولا بالمالِ، لكن لَما هذانِ الرجلانِ كَسَرَا قلبَهُ دعا اللهَ وابتَهَلَ إليهِ بـخشوعٍ وتضرعٍ، قال الله تعالى: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين”َ (سورة الأنبياء، ٨٣ و٨٤).
ثم مرة خَرَجَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لقضاءِ حاجتِهِ وأمسكَتْ زوجتُهُ بيدِهِ إلى مكانٍ بعيدٍ عن أعينِ الناسِ لقضاءِ حاجتِهِ فلما فَرَغَ عليه الصلاةُ والسلامُ أوحى اللهُ تبارك وتعالى إليه في مكانِهِ: “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَاب”ٌ (سورة ص، ٤٢)، أمرَهُ الله تعالى أنْ يضربَ برِجلِهِ الأرضَ، فامتثلَ عليه الصلاةُ والسلامُ لما أمرَهُ اللهُ بهِ فأنبعَ اللهُ تبارك وتعالى لَهُ بـمشيئتِهِ وقدرتِهِ عَينينِ من الماء فشَرِبَ من إحداهُمَا واغتسلَ من العينِ الأخرَى فأذهَبَ اللهُ عنهُ ما كان يَـجِدُهُ من المرضِ وتكامَلَت العافيةُ وأبدلَهُ بعد ذلك كلّـِهِ صحةً ظاهرةً وباطنةً. وهذا إكرامٌ من اللهِ تعالى لنبيهِ أيوبَ عليهِ السلامُ ومعجزةٌ لهُ، فَشَرَعَ عليهِ السلامُ يحثِي ويجمعُ في الثوبِ الذي كانَ معهُ استكثارًا من البركةِ والخيرِ الذي رَزَقَهُ اللهُ إياهُ، وليس حرصاً على الدنيا، ولكنه رزق مبارك من الله يستعين به على فعل الخيرات.
ولَما استبطأتْهُ زوجتُهُ وطالَ انتظارُهَا، أَقبَلَ نبيُّ اللهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إليها سليمًا صحيحًا على أحسن ما كانَ، فلما رأتْهُ لم تعرفْهُ وقالَتْ لهُ: باركَ اللهُ فيكَ هل رأيتَ نبيَّ اللهِ أيوبَ هذا المبتلَى؟ فواللهِ ما رأيتُ رجلا أشبهَ بهِ منكَ إذْ كانَ صحيحًا، فقالَ لَـها عليهِ الصلاةُ والسلامُ: فإنّـِي أنا هو.
ولم يكن ابتلاء سيدنا أيوب بالدود يخرج من جسمه، هكذا مرض منفّر لا يحصل للأنبياء عليهم السلام.
اللهمَّ لا تَجْعَلْ مُصيبَتَنا في دينِنَا ولا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمّنا ولا مَبلَغ علمنا ونجنا في الآخِرَةِ بفضلك يا ربَّ العالمينَ. آمين