سئل شيخنا رحمه الله:
هل ورَدَ ذِكْرُ الرِجْل على أنها صِفَةٌ لله
الجواب:الرّجْل ما ورَد على أنّهُ صِفة للهِ بل ورَد على معنًى ءاخَر وهوَ جُزءٌ مِن خَلقِه،
يُقال في لغة العَرب رِجلٌ مِن جرَاد أي فَوجٌ مِن جَراد، فالحديثُ الذي ورَد فيه ذِكْرُ الرِجْل مُضافًا إلى الله هو حَديثُ أنّ اللهَ تَبارك وتعالى يَملأ يومَ القيامةِ جهَنّم بفَوج مِن خَلقِه كانوا مِن أهلِها في عِلم الله تعالى، كانُوا مِن أهلِ النّار في عِلم الله،
ليسَ أهلُ النّار يَدخُلون النّار دَفعَةً واحِدة كلّهم،لا،بل يَدخل فَوجٌ ثم بعدَ ذلكَ فَوج ثم بعدَ ذلك فَوج
فالفَوج الأخير هو الذي وردَ في الحديث فيَضَعُ رجْلَه فيها”رِجْلَه معناه الفَوج الأخير مِن خَلقِه الذينَ هم حِصّةُ جَهنّم،
عن هذا عبّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قوله”يُقالُ لجَهنّم هل امتَلأتِ فتَقُول هَل مِن مَزِيد فيَضعُ الجَبّارُ رجْلَه فيها فيَنزَوي بَعضُها إلى بَعض فتقولُ قَطٍ قط”رواه البخاري ومسلم وغيرهما. أي اكتَفَيتُ اكتفَيتُ،معناهُ وجَدتُ مِلْئي وجَدْتُ مَا يَملأني.
رِجلَه معناهُ الفَوج الأخير الذينَ يُقَدّمُهم للنّار،تَقُول العَربُ رِجْلٌ مِن جَراد أي فَوجٌ مِن جراد،
أمّا مَن تَوهّم مِن هذا الحديثِ أنّ للهِ رِجْلا بمعنى عُضْو فهو كافِر مشبّهٌ للهِ بخَلْقِه لا يَنفَعُه انتسابُه إلى الإسلام لأنّ مَن لم يَعرف اللهَ لا تصِحّ عبادتُه،
كذلك روايةُ القَدَم “فيَضَعُ فيها قَدمَه” رواه الدار قطني.معناهُ الشّىء الذي يُقدّمُه اللهُ لجَهنّم،كذلك أئمةُ اللّغة قالوا القَدَم ما يُقدّمُه الله تعالى للنّار ليس بمعنى أنّ لهُ عُضوًا فيقدّم هذا العُضو للنّار أي يُدخِلُه فيها تنَزه ربّنا عن أن يكونَ لهُ عُضوٌ.
وقولُ أهل الحقّ للهِ عَينٌ ليسَت كأعيُنِنا معناه أنها صِفة،عينُ الله صِفةٌ مِن صفاتِه كما يقالُ عِلمُ الله قُدرَةُ الله ليسَ بمعنى العُضْو والجارحة،مَن حمَلَه على معنى الجارحة فقَد شبّهَ الله بخَلقه،
ومِن تمويه هؤلاء أنهم يقولونَ لفظًا للهِ أعيُنٌ لا كأعيُنِنا ويَدٌ لا كأيدِيْنا ووَجْه لا كوجُوهنا ويَعتقدونَ الجوارحَ والعُضوَ في الله،
فهؤلاء خالَف كلامُهم مُعتقدَهم فلا يَنفعُهم قولهم هذا فلا يكونُونَ منزّهينَ للهِ بل هُم مشَبّهِونَ لهُ،
فيَدخُلونَ تحتَ هذه الجُملة التي نقلَها أبو جعفر الطّحاوي رحمه الله مِن أهلِ السُّنة والجماعة الذينَ مِنهُم أبو حنيفةَ وصاحباه أبو يوسف القاضي يعقوب بنُ إبراهيم الأنصاري ومحمد بنُ الحسن الشّيباني. ومن وصف الله لمعنى من معاني البشر فقد كفر،
فالأشعريّة معتقدُهم معتقَدُ السَّلف أنّ الله منزَّه عن الجَوارح والأعضاءِ والحُدود والغاياتِ والأركان،
وقَد حدَث في عَصرنا هذا مؤلفاتٌ والعياذُ بالله تَسُوقُ الناسَ إلى اعتقادِ الحَدّ للهِ تعالى، بالعبارةِ الصّريحة تَنطِق بأنّ للهِ تعالى حدّا فمَن لا يؤمنُ له بحَدّ فلَيس مسلِمًا، إلى هذا الحدّ تَوصّلوا،
والحدُّ عن اللهِ مَنفِيّ على لسانِ السَّلف كما أنّهُ مَنفِيّ بقولِ الله تعالى “ليسَ كمثلِه شىء”لأنّ كلَّ شَىء مِن الأجرام لهُ حَدٌّ فالله تعالى لو كانَ لهُ حَدّ لكَانَ لهُ أمثال لا تُحصَر،
المشبّهةُ قاسُوا الخالقَ على المخلوق فجعَلُوا للهِ حَدًّا وهُم في ذلك اقتدَوا بأسلافِهم كابنِ تَيمية ومَن كانَ على شاكلَتِه وهو ابنُ تيمية اقتَدى بمَن قَبله منَ المجسّمة المنتسِبَة للإمام أحمدَ بن حنبل،
والإمامُ أحمد نفسُه نقَل عنه أبو الفَضْل التّمِيميّ الذي هو رئيسُ الحنابلة ببَغداد نُقِل عنه أنّه يقولُ عن الله تعالى بلا حَدّ،عبارةٌ صَريحة في نَفي الحدّ عن الله،
هذا أبو الفَضل التّمِيمي قبلَ ابنِ تَيمِية بزمانٍ وهوَ مِن رؤوس الحنابلةِ مِن كِبارِهم ،لكن في عصر أبي الفَضل التّميمي وقَبلَه بقليل وبعدَه كانَ أُناسٌ يَنتَسِبُون إلى الإمام أحمد ويخالِفُونَه في المعتقد يُثبِتُون للهِ الحَدّ وابنُ تيمية لحِقَ هؤلاء،
لم يَلْحَق بأحمد ولا بالذينَ كانوا على طَريقتِه،انتسَب انتسَابا مِن غيرِ مُوافقَةٍ له في المعتقَد،
بل وفي الأعمال خالفَه في أشياءَ كثيرة في نحوِ سِتّةٍ وثلاثينَ مسئلة مِن جُملَتِها إنكارُ التّوسّل برسول الله بعدَ مَوتِه بل وفي حالِ حيَاتِه إلا أن يكونَ بحَضرتِه،
عندَه التّوسُّل بالرّسول لا يجوزُ إلا أن يتَوسَّل الشّخصُ بهِ في وجْهِه في حيَاتِه،
بل يُعتَبرُ ذلكَ شِركًا فخَالَف بهذا السَّلَف والخَلف،
الإمامُ أحمد بن حَنبل ثبَت عنه أنّهُ قال عندَ القَحط وعندَ انقِطاع المطَر يتَوسّل الدّاعِي الذي يُصَلّي صلاةَ الاستسقاء يتَوسّل بالرسولِ هذا نَصُّ أحمد،أحمد يراهُ حسنًا وابنُ تيمية يراهُ حرامًا أو شِركًا،
انظرُوا إلى البُعْد الذي بينَ الرّجُلَين، ومع هذا يقولُ عنه مِن باب الاعتِزاز بهِ لأنّهُ مَعرُوفٌ بالعِلم والورع والزّهد والحديثِ يقول عنهُ إمام هُدى عن أحمدَ بن حنبل،
وهو حقّا إمام هُدى لكن هو لم يَتْبعْه إنما انتَسب إليه انتسابًا ،الإمامُ أحمد يقولُ مطلُوبٌ شَرعًا عندَ القَحْط أن يتَوسّلَ الدّاعِي المستسقِي أي الذي يَطلُب منَ اللهِ المطَر بالرسول،
هكذا كلامُ أحمدَ ثم جاء ابنُ تيمية بَعدَه بقُرون فخالفَه وهو ينتَسبُ إليهِ انتِسابًا ويَعتزّ به يَقُول إمامُنا.
ومِن تمويهاتِ ابنِ تَيمية أنّهُ يقولُ عن أحمدَ بنِ حَنبل إمامُنا،
إنْ كانَ أحمدُ بن حنبل إمامه وهو تابِعٌ له لماذا يُحرّم أو يجعلُه شِركًا أمرًا اعتبرَه أحمدُ بنُ حَنبل سُنّة.