هناك من الأحاديث ما يدل على فضل الصالحين وكرامتهم على الله ومن ذلك هذا الحديثُ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَربِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَىءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالْنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيْذَنَّهُ” رواهُ البخاريِّ.
وقد فسّرَ هذا الحديثَ الشريفَ الشيخُ أبو عثمانَ الحِيريُّ قالَ: “معناهُ كنتُ أسرعَ إلى قضاءِ حوائجِهِ من سمعِه في الاستماعِ، وبصرِهِ في النظرِ، ويدِهِ في اللمسِ، ورجلِهِ في المشيِ” رواهُ البيهقيّ.
وقالَ أبو سليمانَ الخطابيُّ رحمَهُ اللهُ: والمعنى – واللهُ أعلمُ – توفيقُهُ في الأعمالِ التي يُباشِرُها بهذهِ الأعضاءِ وتيسيرُ المحبةِ لهُ فيها فيحفظُ جوارحَهُ عليهِ ويعصمُهُ عَن مُواقعةِ ما يكرهُ اللهُ مِن إصغاءٍ إلى اللهوِ بسمعِهِ، ونظرٍ إلى ما نهي عنهُ مِنَ اللهوِ ببصرِهِ، وبطشٍ إلى ما لا يحِلُّ لَهُ بيدِهِ، وسعيٍ في الباطلٍ برجلِهِ، وقد يكونُ معناهُ سرعةَ إجابةِ الدعاءِ والإنجاحِ، وذلكَ أنَّ مساعيَ الإنسانِ إنما تكونُ بهذهِ الجوارحِ الأربعِ” نقله البيهقيُّ في الأسماءِ والصفاتِ.
فاللهُ سبحانَهُ وتعالى يُكْرِمُ عبدَهُ الصالحَ بأنْ يحفَظَ جوارحَهُ مِنْ إتيانِ المعاصي الـمُوبِقةِ، ويُكرِمُهُ بالكراماتِ الجليلةِ في هذهِ الجوارحِ لشدةِ طاعةِ هذا العبدِ وشَغَفِهِ بحبِّ مولاهُ فيُعطيهِ سبحانَهُ قوةً في البصرِ فيرى الشىءَ البعيدَ وكأنَّهُ أمامَهُ، وقوةً في السمعِ يسمعُ بها الكلامَ البعيدَ وكأنَّهُ قربَهُ، وقوةً في المشيِ فيطوي اللهُ لهُ الأرضَ فيَقْطَعُ المسافاتِ الطويلةَ بدقائِقَ وبمهلةٍ بسيطةٍ جدًا، وقوةً في اليدِ خارقةً للعادةِ.
ومن ذلك أن سيدُنا عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ كان على المنبرِ يخطبُ في المدينةِ المنورةِ على ساكنِها أفضلُ الصلاةِ والسلامِ وكان جيشُ المسلمينَ في نهاوندَ في بلادِ فارسَ وقد أحاطَ بهِ المشركونَ بالمكيدةِ والحِيلةِ للانقضاضِ عليهِ، فكشفَ اللهُ لعمر حالةَ المسلمينَ فرآهم كأنَّهم أمامَهُ، فهذا يُفسر ما تقدم وفيه “وكنتُ بصرَهُ الذي يُبصِرُ بِهِ”، فقالَ سيدُنا عمرُ: “يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ” فسَمِعَ قائدُ جيشِ المسلمِينَ ساريةُ بنُ زُنَيمٍ صوتَ عمرَ فانتبهَ لمكيدةِ المشركِينَ فانحازَ نحوَ الجبلِ وكتبَ اللهُ النصرَ للمؤمنينَ بفضله.
وإسماعُ اللهِ تعالى صوتَ سيدِنا عمرَ لساريةَ وجيشِ المسلمينَ حتى أسمعَ الذينَ بتلك المسافةِ يومَ لم يكن تلفونٌ ولا برقياتٌ مُوافِقٌ لقولِه تعالى في الحديث القدسي: “كنتُ سمعَهُ الذي يَسمَعُ بِهِ”.
فأداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ أفضلُ ما يُقَرِّبُ إلى اللهِ. أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ يقرِّبُ إلى اللهِ أكثرَ مِنَ النوافل السنن وهي غير الفرائض.
النوافلُ تُقَرِّبُ إلى اللهِ لكن ليسَ كالفرائضِ.
فإذا تَقَرَّبَ العبدُ الى الله بالنوافلِ بعدَ الفرائضِ، اللهُ يُحِبّهُ يكونُ سمعَهُ الذي يَسمعُ بِهِ أي يحفظُ سَمعَهُ عمّا يُهْلِكُهُ ويحفظُ لهُ يدَهُ ورجلَهُ التي يمشي بها، يحفظُ لهُ فيستعملُها في الخيرِ.