التصوف اصله الزهد بعد التقوی، من لم يكن زاهدا لم يكن صوفيا ولو لبس الثياب الزهيدة.
قال الله تعالى: “إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ۖ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) (القصص).
وقول قوم قارون له “ولا تنسَ نصيبَك من الدّنيا”، ليس معناه تزوّد من الدّنيا بالملذات، ولكن معناه لا تنسَ يا قارون أنْ تتزوّدَ من دُنياكَ لآخرتك،َ والتقوى خير الزاد، وهي اداء الواجبات واجتناب المحرمات.
وقولُهم له: “لا تفرح إنّ الله لا يحبّ الفرحين” معناه لا تتكبّر لأنّ الله لا يحبّ المتكبرين.
قال الفيومي: فرح فرحا فهو فرح وفرحان، ويستعمل في معان أحدها الأشر والبطر وعليه قوله تعالى “إن الله لا يحب الفرحين” (اي المتكبرين وقد تقدم)، والثاني الرضا وعليه قوله تعالى “كل حزب بما لديهم فرحون”، والثالث السرور وعليه قوله تعالى “فرحين بما آتاهم الله من فضله”، ويقال فرح بشجاعته ونعمة الله عليه وبمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي. انتهی.
العاقلُ من كانَ يومُه أحسَنَ مِن أمْسِه وغدُهُ أحْسَنَ من يومه. والتنعم الذي رَغب الرسول الناس في تركه هو التوسع في الملذات.
كان الرسول بإمكانه أن يتخذ جبل الطائف مَسْكنا له بدل المدينة المنوّرة أو أي مكان آخر من الأماكن التي هواؤها عليلٌ وحَرّها غيرُ مزعجٍ وبردُها غير مزعج.
ولكنه آثر الإقامة في المدينة المنوّرة التي حَرّها حَرّ وبردُها بَردٌ وفي ذلك حكمة عظيمة.
قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: “ما لي وللدّنيا، ما مَثَلي ومَثَلُ الدّنيا إلا كراكبٍ سار في يوم صائفٍ فاسْتظلّ تحت شجرةٍ ساعة من نهارٍ ثمّ راح وتركها”، رواه الإمام أحمد في مسنده.
وثبت في سنن الترمذي أنّ رسول الله قال: “لو كانت الدّنيا تعْدِلُ عند الله جَناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرا منها شرْبة ماء”،
روى الترمذي في سننه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم”، رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام: “فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم ولكنّي أخشى أنْ تبْسَطَ عليكم الدّنيا كما بُسِطت على من كان قبْلكمْ فتنافسُوها كما تنافسوها وتهْلِككم كما أهْلكتهم”، رواه البخاري.
وقال رسول الله: “ما قلّ وكفى خيْرٌ ممّا كثرَ وألهى”، رواه ابن حبان.
معناه ان الرِّزق القليل الحلال الذي يكفي الشخص خيْرٌ من الرّزق الكثير الذي يُلهي عن طاعة الله.
واعلموا أن الولد ﻻ يعطى كل ما يشتهي ولا يشترى له كل ما يطلب وليس فعل ذلك إكراما له، بل إكرامه أن يعود على التقليل والزهد وخشونة العيش والقناعة باليسير ولو كان أهله أغنياء.
وقد قال سيدنا عمر: “اخشوشنوا وتمعددوا” رواه ابو عوانة ومعناه اعملوا بسيرة معد بن عدنان في الزهد والاخشيشان. ومعد أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي سنن ابن ماجه أنّ الرسول صلی الله عليه وسلم أتاهُ رَجُلٌ فقال له: يا رسول الله دُلني على عَمَلٍ إذا أنا عَمِلته أحَبّني الله وأحبّني الناس. فقال له:
“ازهد في الدّنيا يُحِبّك الله، وازهد في ما في أيدي الناس يُحبّك الناس”.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ بنِ جبل أنّ رسول الله قال له لمّا بعثه إلى اليمن: “إيّاك والتنعّم، فإنّ عباد الله ليسوا بالمتنعّمين”، معناه إنّ خِيارَ عباد الله ليس من شأنهم السّعْيُ في التنعُم الذي هو الاسترسالُ في ملذات الطعام والشّراب والثياب ونحو ذلك.
أمّا الذي ينوّع الطعام لحفظ الصحة أو لإكرام ضيفه فلا كراهة.
الرسول كان أياما عديدة يُواصل على التمر والماء. تعويد النفس على التقليل فيه خير كبير.
نبيّ الله سليمان الذي أعطاه الله مُلكا عظيما لم يُعْطِه لأحدٍ من بعده، كان زاهدا في الدنيا يأكل خبز الشعير، وكان يستغل ّما أكرمه الله به لنشرِ الإسلام وإظهار هيبة هذا الدّين العظيم ومساعدة المحتاجين.