اعلم أن الشفاعة هي طلب الخير من الغير للغير، وهي ثابتة بنص القرآن والحديث. قال الله تبارك وتعالى ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [سورة البقرة] ، وقال تعالى ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [سورة الأنبياء]، وقال صلى الله عليه وسلم: “مَن زار قبري وجبت له شفاعتي” رواه الدارقطني.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لكل نبيّ دعوة مستجابة فَتَعَجَّلَ كلُّ نبي دعوتَه وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة فهي نائلةٌ إن شاء الله مَن مات من أمّتي لا يُشرك بالله شيئًا”.
والمحتاجون لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل الكبائر فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: “شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي” معناه هم الذين يحتاجون إليها، رواه أبو داود والترمذي، وأما التقي فلا يحتاج إلى شفاعة إخراج من النار لأنه لا يدخل جهنم ولا نكد عليه لا في قبره ولا في الآخرة.
الأتقياء والأولياء والشهداء لا حاجة لهم إلى الشفاعة كما يُعلم من النصوص الصحيحة الواضحة، بل إنه ثبت في أحاديث كثيرة صحيحة أنهم هم أهل شفاعةٍ لغيرهم فقد روى ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للشهيد عند الله ستُّ خصال منها أنه يُشَفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه.
والشفاعة على نوعين: شفاعة للمسلمين العصاة بعد دخولهم النار لإِخراجهم منها قبل أن تنتهي المدة التي يستحقّونها، وشفاعة لمَن استحقوا دخول النار من عصاة المسلمين بذنوبهم فينقذهم الله من النار بهذه الشفاعة قبل دخولها.
أما الكفَّار فلا أحد يشفع لهم قال تعالى ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [سورة الأنبياء] أي لا يشفعون إلا لمَن ماتَ على الإِيمان، فرحمة الله وسِعَت في الدنيا كل مؤمن وكافر لكنها في الآخرة خاصة لمن اتَّقى الشرك وسائر أنواع الكفر، فالذين أضاعوا أعظمَ حقوق الله على عباده وهو توحيده تعالى لا يرحمهم الله ولا أحد يشفع لهم.
ثم إن النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسّلامُ هو أوَّلُ من يشفعُ وأوَّلُ من تُقبَلُ شفاعَتُهُ وهو يختصُّ بالشّفاعَةِ العُظمَى وقد سُمّيت بذلكَ لأنّها لا تختصُّ بأمّتِهِ فقط بل ينتفعُ بها غير أمّتِهِ من المؤمنينَ، وهي لتخليصهم من الاستمرارِ في حَرّ الشّمسِ في الموقِفِ فإنَّ النّاسَ عندما يكونونَ في ذلكَ الموقف يقولُ بعضهم لبعض تعالَوا لنذهبَ إلى أبينا آدم ليشفَع لنا إلى ربّنا.. الحديث، وفيه أن سيدنا محمداً يسجد لربّهِ فيُقَالُ له ارفع رأسَكَ واشفَع تُشَفَّع وسَل تُعطَ، وهذه تُسمَّى الشّفاعة العظمَى لأنّها عامَّةٌ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: وقال ابن الجوزي: وهذا مِنْ حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمَّته لكونهم أحوج إليها من الطائعين. اهـ.
أما الكفارُ فلا ينتفعونَ بهذه الشفاعة العامة لأنهم يُنقَلونَ من هذا الموقفِ إلى موقفٍ أشدَّ لا يستفيدونَ تخفيفَ مشقةٍ ولا نَيلَ راحَةٍ. وأبو لهب لا يخفف عنه العذاب لا في القبر ولا في جهنم، لا يوم الاثنين ولا غيره.