والدا الرسول صلى الله عليه وسلم ناجيان فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه زار قبر أمه فبكى وأبكى مَنْ حوله فقال: “استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأُذِنَ لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”. هذا ورد في صحيح مسلم، كتاب الجنائز، وورد أيضا في سنن ابن ماجه، كتاب ما جاء في الجنائز.
وهذا يفسر بأن يقال إنما منعه الله من أن يستغفر لها حتى لا يقتدي به غيره من الناس الذين مات آباؤهم وأمهاتهم على عبادة الأوثان فيستغفرون لآبائهم وأمهاتهم المشركين، وليس معنى ذلك أن أم الرسول كانت كافرة.
أم الرسول وأبوه ناجيان في الآخرة. أمه كانت مؤمنة عارفة بالله. يحتمل أنهما التقيا بعض أتباع رسول الله عيسى المسلمين فتعلما منهم الإسلام.
عيسى نبي الله مسلم.
هكذا يُرَدُّ على الذين أخذوا بظاهر الحديث فزعموا أن والدة الرسول ماتت على الشرك.
والدليل على أن آمنة أم رسول الله كانت مؤمنة أنها لما ولدته أضاء نور حتى أبصرت قصور الشام. رأت قصور بُصْرَى. وبُصْرَى هذه من مدن الشام القديمة. هي تعد من أرض حَوْرانَ مما يلي الأردن.
آمنة أم سيدنا محمد رأت بهذا النور الذي خرج منها لما ولدته قصور بُصْرَى بعينها الحقيقية.
لولا أنها مؤمنة عارفة بالله ما أعطيت هذه القوة بعينيها حتى ترى قصور بُصْرَى. وهذا الحديث ثابت. رواه الحافظ ابن حجر في الأمالي وحسنه. ورؤية آمنة لقصور بُصْرَى يعد كرامة لها. كانت عارفة بالله عز وجل. وأخبار قصة المولد هي أخبرت بها بعض النساء.
ومع أن أغلب الأحاديث المتعلقة بقصة المولد ليست صحيحة الإسناد إذ لا يصح منها إلا القليل وما سواه ضعيف، إلا أنه يجوز رواية الحديث الضعيف في الفضائل .
نحن لا نقول ان والدي الرسول ماتا كافرين.
ما المانع من أن يكون أبوا الرسول ألهِما الإيمان بالله فعاشا مؤمنَين لا يعبدان الوثن. لا مانع من ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاري أن والدَي الرسول ماتا قبل البِعثة بنحو أربع وثلاثين سنة وأن الإسلام انقطع في ما بين الناس قبل بِعثة النبي بنحو خمس سنين. فالذي نعتقده أن عبد الله وآمنة والدَي الرسول كانا مسلمين وماتا على الإسلام.
ثم على فرض أنهما لم يكونا مسلمَين فهما من أهل الفترة. وأهل الفترة الذين ما بلغتهم دعوة الأنبياء السابقين لا يعذبون في الآخرة. على هذا جمهور العلماء. يقول الله تعالى في سورة الإسراء: “وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولا”.
وما ورد في صحيح مسلم، كتاب الإيمان، أن رسول الله قال لرجل: “إن أبي وأباك في النار” فهذا الحديث معلول وإن أخرجه مسلم. فقد قال الحافظ السيوطي إنه معلول أي ضعيف، فلا يستدل به. نحن لا نأخذ بهذا الحديث غير الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونردُّه.
ومن المعلوم أن في صحيح مسلم أحاديثَ انتقدها بعض المحدثين كما قال السيوطي في تدريب الراوي شرح التقريب للنووي. وهذا الحديث منها.
مسلم لَمّا ألّف كتابه عرضه على بعض الحفاظ فأقرّوه كلَّه إلا أربعةَ أحاديث. مسلم قال هذا. ذكر ذلك في خطبة كتابه من غير أن يسمي لنا هذه الأربعة.
والبخاري ضعَّف حديثَين من أحاديث مسلم. قال ذلك الحافظ ابن حجر. والبخاري استاذ مسلم.
وورد أن الله تعالى أحيا لرسول الله والدَيه. والراجح أن هذه الرواية غير صحيحة.
الذي ورد في هذا الشأن ليس صحيحا من حيث الرواية، ولكن من حيث الواقع ليس بعيدا. وعلى رأي بعض الحفاظ هذه الرواية ثابتة، ولكن نحن لا نقول بها.