قَدْ وَضَعَ الْكَذَّابُونَ حَدِيْثينِ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَصْلَ لَهُمَا، أَحَدُهُمَا: “الْكَلاَمُ في الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَب”، هَذا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى رَسُ

Arabic Text By Jul 10, 2015

قال الإمام الشيخ عبد الله الحبشي رحمه الله وغفر له ولوالديه :

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين وبعد

فَقَدْ وَضَعَ الْكَذَّابُونَ حَدِيْثينِ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَصْلَ لَهُمَا، أَحَدُهُمَا: “الْكَلاَمُ في الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَب”، هَذا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ إِزَالَتُهُ عَلَى مَنْ رءاهُ في مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى الرَّسُولِ. ثُمَّ مَعْنَاهُ فَاسِدٌ لأَنَّ الْكَلاَمَ في الْمَسْجِدِ حَصَلَ في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَيْسَ بِذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالى وَلاَ تَعْليمِ عِلْمٍ. ففي صَحيحِ الْبُخَارِي أَنَّ اثنين مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ أحدُهما لَهُ دَيْنٌ عَلَى الآخَرِ فَتَقَاضَاهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ، حتى ارْتَفَعَتْ أَصْواتُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: يَا كَعْبُ (هو اسْمُهُ كَعْبُ بْنُ مَالِك)، فَأَشَارَ لَهُ إِشَارَةً أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ نِصْفَ الدَّيْنِ. الشَّاهِدُ في هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا، لَمْ يَقُلْ لَهُمَا كَيْفَ تَتَكَلَّمَانِ في الْمَسْجِدِ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاكُمْ، كَيْفَ تَتَكَلَّمَانِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، بِغَيْرِ تِلاَوَةِ الْقُرْءانِ، بغيرِ ذِكْرٍ لِلَّهِ، تَسبيحٍ أو تحميدٍ أو تكبيرٍ أو نحوِ ذَلِكَ كَمُذَاكَرَةٍ في الْعِلْمِ الشَّرْعي. وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُ وَغَيْرُهُ نَأْخُذُ حُجَّةً عَلَى جَوَازِ الْكَلاَمِ في الْمَسْجِدِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَأَنَّ ذلِكَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، إِنَّمَا الْحَرَامُ مَا كَانَ حَرَامًا مِنَ الْكَلاَمِ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ هذا هُوَ الْحَرَامُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ هَذَا الْكَلاَمُ يَحْصُلُ بِهِ تَشْوِيشٌ عَلَى مُصَلِ أَوْ عَلَى قَارِىءٍ، فَإِنْ كَانَ في الْمَسْجِدِ تَالٍ يَتْلُو الْقُرْءانَ أَوْ مُصَلّ حَرُمَ التَّكَلُّمُ بِجَانِبِهِ بِحَيْثُ يَتَشَوَّشُ الْقَارِىءُ أَوْ الْمُصَلِـّي فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ . هَذَا يَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَ الْكَلاَمُ الَّذِي يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِـّي أَوْ الْقَارِىءِ مُذَاكَرَةً في الْعِلْمِ أَوْ ذِكْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ. فَمَنْ دَخَلَ المسجدَ فَوَجَدَ مُصَلِـّيًا أَوْ تَالِيًا يَتْلُو الْقُرْءَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يُشَوِّشَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بِكَلاَمٍ عَادِيٍّ دُنْيَوِيٍّ أَوْ بِتِلاَوَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ يُرِيدُ تِلاَوَةً فَلْيَتْلُ بِحَيْثُ لاَ يُشَوِّشُ عَلَى ذَلِكَ التَّالي وبِحَيْثُ لاَ يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِـّي .

أَمَّا إِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِهِ تَشْوِيشٌ عَلَى الْمُصَلِـّي أَوْ التَّالي لِلْقُرءَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثاني الَّذِي هُوَ مَكْذُوبٌ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَكَلَّمَ في الْمَسْجِدِ بِكَلاَمِ الدُّنْيَا أَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً)، هَذَا أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ الْمَكْذُوبَيْنِ عَلَى الرسولِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَبَتَ أَيْضًا أن نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكُونُ في الْمَسْجِدِ مَعَ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ باللَّيْلِ فكَانُوا يَتَذَاكَرُونَ مَا حَصَلَ في الجاهليةِ أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِم في الإِسْلاَمِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وأَعْمَالِهِمْ فَيَضْحَكُونَ والرسولُ يَتَبَسَّمُ، في هَذَا الْحَدِيثِ الصّحِيحِ الذي أخرجَهُ الترمذيُّ وصَحَّحَهُ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَلاَمَ في الْمَسْجِدِ بِمَا لَيْسَ مِنَ الْكَلاَمِ الْمُحَرَّمِ والضَّحِكَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلاَ يُحْبِطُ الْعَمَلَ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَأَمَّا الْكَلاَمُ الْمُحَرَّمُ فَإِنْ حَصَلَ في الْمَسْجِدِ فيكونُ أَفْحَشَ مِنْهُ فيمَا إِذَا حَصَلَ في خَارِجِ الْمَسْجِدِ كمَا أَنَّ الْمَعَاصي مِنَ الصَّائِمِ أَفْحَشُ مِنْهَا في غَيْرِ حالِ الصِـّيَامِ. فَالْمَعَاصي في حَالِ الصِـّيَامِ أَفْحَشُ مِنْهَا في غيرِ حَالِ الصِـّيَامِ. وَمِنْ أحكامِ الْمَسَاجِدِ أَنَّهُ يجوز فيها الْجُلُوسُ مُحْتَبياً، وَالْجُلُوسُ مُتَرَبِـّعًا، وَكُلُّ كَيْفِيّاتِ الجلوسِ فهي جَائِزَةٌ في الْمَسْجِدِ، وَكَذَلِكَ الاسْتِلْقَاءُ، لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ إلَى جهةِ القِبْلَةِ فهو جَائِزٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ. فَيَجِبُ زَجْرُ الْجُهَّالِ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَدَّ الرِّجْلَيْنِ في المسجد إِلى جِهَةِ الْقِبْلَةِ فإنّ تحريمَ ذلك فَسَادٌ وَضَلاَلٌ، بأي دَليلٍ شَرْعي يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ ؟ لَمْ يَرِدْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيٌ عن ذَلِكَ، إِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْمُصْحَفِ أَوْ إِلَى كِتَابِ عِلْمٍ شَرْعِي أَوْ إِلَى اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالى،ونحو ذلك هَذَا الْمُحَرَّم . اهـ