من إرث الرحمة من علم الفقيه الحافظ الشيخ عبد الله الهرري، قال رحمه الله:
من شأن المجتهد (كأبي حنيفة) أنّه لا يخرج في مسألة (شرعية) اجمع عليها المجتهدون الذين مضوا (اتفقوا عليها قبله بلا خلاف). لا يخرج عن جميع اقوال أولئك. لا يخرج عن اجماعهم ويأتي بشيء يناقض إجماع اولئك. لا يفعل، لأنّ من شرط الاجتهاد أن يعلم ماذا قال من قبله من المجتهدين، أي يشترط للمجتهد أن يعلم المسائل التي أجمَع عليها من قبله من المجتهدين، والمسَائل التي اختلفوا فيها، فمجال اجتهادِه أن يرَجّح قولاً قاله بعضٌ منهم ولو كان غيرَ مشهور، على الاجتهادات الأخرى، أو يُفتِيَ في حادثة لم يسبق لها مثيل، يُحدِثُ فيها فتوى جديدة. هذا وظيفة المجتهد المتأخر. ليس له أن ينقُض ما اتّفق عليه أولئك ويعمَل رأياً جديداً. هذا ليس مجتهداً. لو كان مجتهدًا متأهلاً للاجتهاد لا يخرج عن إجماع من سَبَقَه.
فأي إنسانٍ يدعي الاجتهاد في عصرنا هذا ويخرج عمّا أجمع المتقدمون على أنه جائز فيجعَلُه غيرَ جائز، أو يأتي إلى مسألة أجمع الذين مضوا على أنّها غير جائزة فيجعلها جائزة صحيحة، هذا لا يقبل. هذا دليل على أنه ليس مجتهداً.
لو كان مجتهداً لاجتهد في حادثةٍ لم تسبق فيما مضى فأعطى فيها الحكم الشرعيّ باجتهاده لأن أولئك ما تكلموا فيها بالمرة لأنها ما حدثت في عصورهم. هنا يُقبَل اجتهاد هذا المجتهد المتأخّر الذي ظهر بعد الأربعمائة (سنة الاولى بعد النبي صلى الله عليه وسلم)، في أيّ قرنٍ كان.
هذا المهدي المنتظر (هو من اهل السنة) مجتهد، لكنه لا ينقض ما أجمع عليه من قبله إنما يرجّح رأيًا من تلك الآراء، أو يحدِثُ حكماً باجتهاده في حوادث لم تسبق أيّام الأوّلين. هنا مجال الاجتهاد. أما أن يدّعي الاجتهاد فينقُضَ ما اتفق عليه الأئمة وهم نحوُ أربعين (فليس له ذلك). ليس المجتهدون الأئمة هؤلاء الأربعة فقط (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، بل نحو أربعين المشهورون منهم، وهناك مجتهدون أخفياء.
المجتهد الجديد له أن يحدث فتوى في الحادثات التي لم تكن حدثت في أيّام من قبله من الأئمة المجتهدين. هنا يكون مجال الاجتهاد. ليس من مجال الاجتهاد أن يحلل ما حرّمه المجتهدون الذين مضوا كلُّهم أو يعمل عكسَ ذلك. هذا ليس من مجال الاجتهاد.
قد يتوهم كثير من الناس أن الاجتهاد قد يكون ينقض جميع أقوال من مَضَوا. هذا لا يكون. اهـ