قال الرّضَى: كان أبي يذكر عن آبائه أن أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب كان يقول: “إنّ اللهَ خَلَقَ كلَّ شيءٍ بقَدر حتّى العَجز والكَيس، وإليهِ المشِيئة وبِه الحَولُ والقُوَّة”.

Arabic Text By Jul 06, 2015

من إرث الرحمة من علم الفقيه الحافظ الشيخ عبد الله الهرري، قال رحمه الله:

عن عليِّ الرّضَى بنِ موسى الكاظم رضي الله عنهما… يقول الحاكم رحمه اللهُ تعالى الذي هو شيخُ البيهقي: سمعت أبا الحسن عبدَ اللهِ بنَ محمد بنِ علي بنِ الحسنِ بنِ جعفر بنِ موسى بنِ جعفر المعروف بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروضة يقول سمعت أبي يذكُر عن آبائه أن عليَّ بنَ موسى الرضَى كان يقعدُ في الرّوضة (في المسجد النبوي) وهو شابٌ ملتحف بمَطرَفِ خَزٍّ فيسأله النّاس ومشايخ العلماءِ في المسجِد، فَسُئل عن القدَر فقال: قال اللهُ عزّ وجل عَزّ مِن قائل: {إنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُر،ٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النّارِ على وجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر،َ إنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} [القمر، 47-48-49].

ثمّ قال الرّضَى: كان أبي يذكر عن آبائه أن أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب كان يقول: “إنّ اللهَ خَلَقَ كلَّ شيءٍ بقَدر حتّى العَجز والكَيس، وإليهِ المشِيئة وبِه الحَولُ والقُوَّة”.

هذا الكلام عظيم يحوي معاني راقية كثيرة.

يقول سيدُنا عليّ رضي اللهُ عنه إنّ اللهَ خلَقَ كلَّ شيءٍ بقدَر، أي بتقديره الأزليِّ، حتّى العَجز والكيس. العَجزُ هو الضَّعف في الفَهمِ والإدراك، أما الكيسُ فهو الذكاء والفطانة. يقول: كلُّ ذلك بتقدير الله تبارك وتعالى. ما استثنى شيئا.ً قال: “كلُّ شيءٍ بقدر حتّى العجز والكيس”.

ما قال الطاعاتُ بقدر الله والمعاصي ليست بقدَر الله. ما استثنى، بل عمّ وشمل.

قال: وإليه المشيئة. معناه أنّ الله تباركَ وتعالى له المشيئَة الشّامِلَة العامّة الأزليّة الأبدية التي لا تتحوّل ولا تتغيَّر، شاء بها حصولَ كلِّ الممكنات الحادثات من أجرام (أجسام) وأعمال العباد، حركاتهم وسكناتِهم، وتطوّرات نفوسِهم.

له هذه المشيئة التي هي سابقةٌ على مشيئة العباد.

مشيئةُ الله سبقت مشيئة العباد.

سبقت مشيئتُه (تعالی) المشيئات كلَّها.

مشيئة الله تعالى ازليّة أبدية. لا ابتداء لمشيئة الله. لا تاريخ لمشيئة الله.

كما أن وجود الله لا تاريخ له، كذلك مشيئته لا تاريخ لها، لأن الله قديمٌ أزلي. كان موجوداً ولم يزل موجودا،ً ولم يكن وجودُه زمنيًّا. كذلك صفاتُه علمُه وقدرتُه ومشيئتُه وتدبيره (كلها) أزليّة ليس لها تاريخ لأنّ صفات الله تعالى موجودةٌ بلا ابتداء، موجودة قبل الزمان والمكان، كما أن ذات الله موجود قبل الزمان والمكان فلا يقال إن الله شاء منذ كذا. مشيئتُه أزليّة وعلمه أزلي وقدرته أزلية وسائر صفاته (ازلية).