من إرث الرحمة من علم الفقيه الحافظ الشيخ عبد الله الهرري، قال رحمه الله:
الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان في بيته وهو كاشف فخذه، جمع إزاره بين فخذيه، أي وفخذاه مكشوفتان، ثم استأذن أبو بكر فأذن له، فدخل أبو بكر فبقي الرسول كما كان، كاشفًا فخذه. ثم استأذن عمر فأذن له، فدخل فاستمر الرسول على ما كان عليه. ثم استأذن عثمان فأذن له، فقبل أن يدخل غطّى فخذه بثوبه، فقيل له يا رسول الله كيف ظللت كاشفًا فخذيك حين دخل أبو بكر ثم دخل عمر ثم لما دخل عثمان جمعت عليك ثوبك؟، قال (صلى الله عليه وسلم) “ألا أستحي ممّن تستحي منه الملائكة” (رواه مسلم). معناه أن عثمان يغلب عليه الحياء، حياؤه كان شديداً رضي الله عنه، حتّى لا يدخل عثمان فيرى رسول الله كاشفاً فخذه فيُعرضَ عن ذكر ما جَاء لأجله من شدّة الحياء الذي يغلبُه. ويعلَم الرسول أن الملائكة يعرفون شدّة حياء عثمان، يستحون منه. صحيح هذا الحديث.
من هنا قال بعض الأئمة المجتهدين فخذ الرجل ليس عورة إلاّ سوأتاه (قبلُه ودبُره) منهم مالك، مرّة قال هكذا، ومرّة قال كما قال الشافعي عورة الرجل ما بين سرّته وركبته.
الإمام أحمد كذلك ثبت عنه أنه قال عورة الرجل السّوأتان، كذلك الإمام عطاء بن أبي رباح. هذا (عطاء) قبل الشافعي، قبل مالك. هذا (عطاء) أخذ العلم من الصحابة مباشرة. عطاء بن أبي رباح مجتهد مثل الشافعي، في العلم مثل الشافعي ومالك وأحمد، لكن مذهبه ما دوّن إنما تناقل على ألسنة اهل العلم ثم دوّن في بطون كتب العلم.
في كثير من المسائل أئمةُ الاجتهاد في الأحكام اختلفوا. أما في العقيدة فلم يختلفوا. المجتهدُ الذي هو حقيقة مجتهد لا يختلف في العقيدة عن الصحابة ومن تبعهم من المجتهدين إلا المدّعي الكذاب، يدعي الاجتهاد وهو ليس بأهل للاجتهاد. هذا يخالف الأئمة الماضين في المعتقد، في العقيدة وفي الأحكام يخالف، كابن تيمية. ابن تيمية تصرّف تصرّفَ المجتهد، لكنه ليس مجتهداً في الحقيقة إنما هو مخلِـّطٌ يخبط خبط عشواء، موّه على الناس، أوهم كثيراً من الناس، أضلّهم، أوهمهم أنّه إمامٌ مجتهدٌ يستحق أن يؤخذَ برأيه فأخذ برأيه كثيرٌ من الناس. لكن في ذلك الزّمن العلماء كان كلامُهم له نفوذ كلّموا أهلَ السلطة فأخذوه وعملوا له مناظرة فانكسر في المناظرة ثم أظهر أنّه تاب ثم أخلَوا سبيلَه. ثم عاد إلى ما كان عليه من التشويش فصار يفتي بما أفتى به سابقاً فأخذ عليه العهد ثم نقض العهد. ثم أيضا مرة ثالثة ثم رابعةً. ثم في الأخير أرسلوه إلى القاهرة أيامَ الملك محمد بن قلاون كان يحكم مصر ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين ويحكم الحجاز. هذا جمع له قضاةَ المذاهب الأربعة وجمع له العلماء الأعيان فأقاموا عليه الحجّة ثم حَكمَ عليه بالحبس الطويل لأنّه ظهر منه أنه سينقض العهد ولا يقف عن كلامه، حَكَم عليه بالسّجن الدائم فرُدَّ إلى دمشق فسُجن في أشدّ حبس، حبسُ القلعة. وهناك عاش حتى مات. ما أُخرج حيًّا من هذا السجن. تلك الأيام غير أيامنا هذه. في أيامنا هذه هذا يفتي بالكفريات، وهذا يفتي في مكانه بالكفريات، وذاك يفتي في مكانه بالكفريات، ولا سلطة تتعرض لهم، بل يَدعُونه ليتكلم. اهـ