أَقْوَالٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا(9)
مِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ منه قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ (أَبُوس رَبَّك) وَهَذَا قَوْلٌ صَريحٌ في الكُفْرِ لأَنَّ الْبَوْسَ لا مَعْنَى لَهُ إِلا التَّقْبيلُ، قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ في مَادَّةِ بوس “الْبَوْسُ التَّقْبِيلُ” اهـ.
وَلا يُنْظَرُ إِلى قَصْدِهِمْ لأَنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ لا يُؤَوَّلُ، وَالَّذِي يُؤَوِّلُ مِثْلَ هَذَا يَكُونُ دَاعِيًا للنَّاسِ إِلى الْكُفْرِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ على أَنَّ اللَّفْظَ الصُّرَاحَ لا يُقْبَلُ فيهِ التَّأوِيلُ. قَالَ الْحبيبُ بنُ الرَّبِيعِ أحَدُ أَكَابِرِ الْمَالِكِيَّةِ:”ادِّعَاءُ التَّأويلِ في لَفْظٍ صُرَاحٍ لا يٌقْبَلُ”. وَقَالَ الْحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ في فَتَاوِيهِ “لا يُقْبَلُ التَّأويلُ الْبَعيدُ”. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنْ “اتِّفَقَ الأُصْولِيّونَ على أَنَّ مَنْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الرِّدَّة (الكفر) وَزَعَمَ أَنَّهُ أَضْمَرَ تَوْرِيَةً كُفِّرَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا”.
وَمِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ جَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَة:ِ (مَا في الْوُجُودِ إلا الله) أَوْ (لا مَوْجودَ إِلا اللهُ) أَوْ (هُوَ الكُلُّ) أَوْ (يَا كُلَّ الْكُلِّ) وَكَذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْعَوَامِّ (مَا في غيرك يا الله)، فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَضَعَهَا أُنَاسٌ مِنْ مَلاحِدَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ جُمْلَةُ الْعَالَمِ وَأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْعَالَمِ جزء من اللهِ، وَهَذَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
وَهُوَ في الأَصْلِ عَقِيدَةٌ لِبَعْضِ فَلاسِفَةِ الْيُونانِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إِلى بَعْضِ أدْعِياءِ التَّصَوُّفِ الإسْلامِيِّ ثُمَّ صَارَ بَعْضُ الْعَوَامِّ يَسْمَعُونَهَا وَيَنْطِقُونَ بِهَا وَيَظُنُّونَ أَنَّ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذي وَضَعَهَا لَهُ أُولئِك،َ فظَنُّوا أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ مُدَبِّرُ كُلِّ شَىْءٍ وَخَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ، فَهَؤُلاءِ الْعَوَامُّ لا يُكَفَّرُونَ لأَنَّهُمْ لا يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْكُفْرِيَّ، لَكِنْ يَجِبُ نَهْيُهُمْ عَنْ هَذَا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أُولئِكَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُلْحِدِينَ لِشَخْصٍ “أَنْتَ الله وَهَذَا الْجِدَارُ اللهَ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ (أَنَا الله) وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ وَقَدْ نَقَرَ بَابَ شَخْصٍ فَقِيلَ لَهُ مَنْ؟ فَقالَ (الله). وَحَصَلَ مِنْ رَجُلٍ يَلْبَسُ زِيَّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيَخْطُبُ في بَلْدَةِ دُومَا قَالَ (أَنَا جُزْءٌ مِنَ الله).
وَمِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ وَرَقَةٌ مَذْكُورٌ فِيها (أَنَّ مَنْ وَقَعَتْ في يَدِهِ هَذِهِ الوَرَقَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهَا ثلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَنْ يُوَزِّعَهَا عَلَى عَدَدِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَحْصُلُ لَهُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَصَائِبِ) وَهِذهِ الْوَرَقَةُ مُنْتَشِرَةٌ في كَثِيرٍ مِنْ بِلادِ الشَّامِ وَتُرْكِيَّا وَأَصْلُهَا مِنْ بَعْضِ كُفَّارِ بِلادِ الشَّامِ مَكِيدَةً لِلْمُسْلِمينَ في إِدْخَالِ الْفَسَادِ عَلَيْهِم مِنْ إِدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِم عَلَيْهِ بِدَعْوَى أَنَّ خَادِمَ حُجْرَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيُسَمُّونَهُ الشَّيخ أَحْمَد رَأى في الْمَنَامِ الرَّسُولَ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ بَلِّغ أُمَّتي هَذَا، وَهذَا يُكُرِّرونَهُ مُنْذُ نَحْوِ ثَمَانينَ عَامًا لِكُلِّ سَنَةٍ فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، حَتَّى إِنَّهُمْ صَارُوا يَنْشُرُونَهُ عَبْرَ شَبَكَةِ الإنْتَرْنِت لِسُرْعَةِ نَشْرِهِ زِيَادَةً في الإفْسَادِ وَاللهُ حَسِيبُهُم.
وَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ كَلامِ كُفْرٍ يُنْشِدُهُ بَعْضُ الَّذينَ يَنْتَسِبُونَ لِلطَّرِيقَةِ الشَّاذِلِيَّةِ يَقُولُونَ (فَمَا في الوُجُودِ سِوى وَاحِدٍ *** وَلَكِنْ تَكَثَّرَ لَمَّا صَفَا) فَهَذَا مِنَ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ الَّذي لا يُقْبَلُ فيهِ تَأوِيلٌ لأَنَّ نِسْبَةَ التَّكَثُّرِ إِلى اللهِ كُفْرٌ وَاللهُ تعالى يَسْتَحيلُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ في ذَاتِهِ وَلا في صِفَاتِهِ واللهُ لا يُوصَفُ بِالصَّفَاءِ وَلا بِالْكَدَرِ لأَنَّ هَذِهِ أَوْصَافُ الْخَلْقِ وَقَدْ قَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ أبو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ في عَقيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ الْمُسْلمينَ عُلَمَائِهِم وَعَوَامِّهِمْ: “وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَاني الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ”.
وَهَذَا الْبَيْتُ مَوْجُودٌ في بَعْضِ الْكُتُبِ وَفي الدِّيوانِ الْمَنْسُوبِ لِلشَّيْخِ عَبْدِالغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ وَهُوَ مُدْسُوسٌ عَلَيْهِ وَمُفْتَرَى، كَمَا دُسَّ على الشَّيخِ مُحْيِ الدَّينِ بنِ عَرَبِيّ رَضي اللهُ عنهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ “الْمَعْرُوضَاتِ الْمَزْبُورَة” الْحَنَفِيُّ: “قَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ الْيَهُودَ دَسُّوا عَلَيْهِ” اهـ. وَهَذَا الظَّنُّ هُوَ اللائِقُ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ.
وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ لِلطُّرُقِ لا سِيَّمَا الطَّرِيقَةِ الشَّاذِلِيَّةِ جُهَّالٌ لا يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ فَيَفْتَرُونَ على اللهِ وعلى رَسُولِهِ وعلى مَشَايِخِ الطَّرِيقَةِ.
وَقَدْ شُهِرَ عَنِ الْمُنْتَسبينَ لِلشَّاذِلِيَّةِ تَحْرِيفُهُمْ لِلَفْظِ الجلالَةِ فَيَذْكُرُونَ اللهَ على زَعْمِهِم بِقَوْلِ (ءاه) بَدَلَ الله وهَذَا حَرَامٌ بِلا شَكٍّ.
قَالَ الشَّيخُ مُحَمَّد ظَافِر الْمَدَنِيُّ شَيْخُ الشَّاذِلِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ: “هَذَا التَّحْرِيفُ مِنْ شَاذِلِيَّةِ فَاسٍ هُمْ أَحْدَثُوهُ لَيْسَ مِنَ الشَّيْخِ أَبي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ”.اهـ فأصل الطريقة صحيح.
وَنَذْكُرُ هُنَا قَاعِدَةً جَلِيلَةً وَهِيَ أَنَّ صِفَاتِ اللهِ لا تَثْبُتُ بِقَوْلِ صَحَابِيٍ إِنَّما تَثْبُتُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا قَالَ الْفَقيهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ في كِتَابِهِ “الْفَقيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ” فَكَيْفَ تَثْبُتُ بِغَيْرِه؟!ِ.
والله أعلم.