في تاريخ المنتظم للحافظ ابن الجوزي في حوادث سنة 144 للهجرة يحكي قصة رجل يشتكي إلى الخليفة المنصور العباسي الظلم في عهده قال له: “وقد كنت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أسافر إِلَى أرض الصين وبها ملك فقدمتها مرة وقد ذهب سمع ملكهم فجعل يبكي فَقَالَ لَهُ وزراؤه: مالك لا بكت عيناك؟ فَقَالَ: أما إني لست أبكي على المصيبة إذ نزلت بي، ولكن المظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته. وَقَال (الملك): أما إن كَانَ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب. نادوا فِي الناس أن لا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم. فكان يركب الفيل فِي طرفي النهار هل يرى مظلوما فينصفه. هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مشرك بالله قَدْ غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نفسه فِي ملكه، وأنت مؤمن بالله عز وجل وابْن عم نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تغلبك رأفتك بالمسلمين شح نفسك؟ فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاث: إن قلت أجمعها لولدي فقد أراك اللَّه عبرا فِي الطفل الصغير يسقط من بطن أمه وماله على الأرض مال، وما من مال إلا دونه يد شحيحة تحويه، فلا يزال اللَّه يلطف بذلك الطفل الصغير حَتَّى تعظم رغبة إِلَيْهِ ولست بالذي تعطي، بل اللَّه يعطي من يشاء مَا يشاء.
وإن قلت أجمع المال سلطاني فقد أراك اللَّه عز وجل عبرا فيمن كَانَ قبلك مَا أغنى عنهم مَا جمعوا من الذهب والفضة، وما أعدوا من السلاح والكراع، مَا ضرك وولد أبيك مَا كنت فِيهِ من الضعف، أراد اللَّه عز وجل بكم مَا أراد. وإن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية الَّتِي أنت فِيهَا فَوَاللَّهِ مَا فوق مَا أنت فِيهِ إلا منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح، وَهُوَ تعالی الَّذِي يرى منك مَا عقد عليه قلبك وأضمرته جوارحك، فما تقول إذا انتزع ملك الدنيا من يدك، ودعاك إِلَى الحساب؟ هل يفي عنك مَا كنت فِيهِ شيئا؟ فبكى المنصور بكاء شديدا حَتَّى ارتفع صوته ثُمَّ قَالَ: كيف احتيالي فيما خولت ولم أر من الناس إلا خائنا. قَالَ له: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْك بالأئمة الأعلام المرشدين، قَالَ: ومن هم؟ قَالَ: العلماء.” انتهى