في كتاب المجالس للحافظ ابن الجوزي (ت 597 هـ.) ردّاً على بعض المبتدعة في الاعتقاد، قال رحمه الله: “وكيف يُمكن أن يقال إنّ السلف ما استعملوا التأويل (بمعنى إخراج النص القرآني والحديثي عن ظاهرهما متى اقتضت الضرورة الشرعية)، وقد ورد في (الحديث) الصحيح عن سيّد الكونين صلى الله عليه وسلم أنه قدّم له ابن عباس وضوءه (أي ماء الوضوء) فقال (النبيّ صلى الله عليه وسلم يسأل): “من فعل هذا؟” فقال (اي ابن عباس): قلت أنا يا رسول الله، فقال: “اللهم فقّهه في الدّين وعلمه التأويل”.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “فلا يخلو إما أن يكون الرّسول أراد أن يدعو له أو عليه.. فلا بدّ أن تقول أراد الدعاء له لا الدعاء عليه (لأن الرسول لا يدعو على أحد ظلماً).. ولو كان التأويل محظوراً (كما يقول بعض المبتدعة) لكان هذا دعاء عليه لا له” انتهى.
وهو استدلال قوي واضح من ابن الجوزي وهو حافظ حنبلي مشهور (وليس ابن قيم الجوزية المبتدع تلميذ ابن تيمية المجسّم)، في أن النصوص القرآنية والحديثية المتبادر من ظواهرها ما لا يليق بالله تعالى، فإنها تفسّر بما يليق بالله عز وجلّ على وفق ما ترضاه لغة العرب، كما يقال استوى عن الله تعالى بمعنى قهر واستولى، وهذا يليق بالله لأنه مدحٌ لله عز وجلّ وترضاه لغة العرب، نصّ عليه ابن الحاجب والراغب وغيرهما. أما الجلوس فلا يليق بالله تعالى لأن القعود والاستقرار على القفا صفة بعض المخلوقات، والله منزه عن ذلك، فعُرف أن المشبّه لربّه بالمخلوق غير عارف بالله تعالى، فلذلك نصّ الفقهاء منهم الإمام الجليل عبدالقاهر البغدادي (ت 429 هـ.) على أنهم كفار، قاله في الفرق بين الفرق رضي الله عنه، وهو من أكابر الفقهاء الشافعية الأصوليين أستاذ لمثل البيهقي والقشيري رحمهم الله جميعاً