إن الله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [سورة الأنعام ءاية 90]

Arabic Text By Jul 05, 2015

أما بعد ، فإن الله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [سورة الأنعام ءاية 90]. المعنى أنَّ الله تبارك وتعالى أمر بعد أن ذَكر عدداً من الأنبياء أن يقتديَ بِهِم، المرادُ بالاقتداء في هذه الآية هو أن يقتدي بأولئك الأنبياء في العقائد، في أصول العقيدة ومكارم الأخلاق والأحكام، إلا ما نُسِخَ في شرعه فإنه لا يجب عليه أن يقتدي بأولئك الأنبياء السابقين فيما ورد في شرعه أنه نسخ من شرائع أولئك الأنبياء، وكان من سُنّة أولئك الأنبياء وسنة نبينا تركُ التنعم، والتنعم هو التّوسع في المَلَذَاتِ من المطعومات والمشروباتِ ومن اللُّبس الفاخر، ترك التنعم هو سنة الأنبياء، حتى الذين كانوا أغنياءَ كسليمان لم يكونوا متنعمين وقد ورد في صفة عيسى عليه السلام أنه كان يلبس الشَعَر ويأكل الشجر، المراد بالشَّعر هو الصوف الذي هو غير مصَنّع بالصِناعة أي الشعر الذي هو على طبيعته كان ثيابه من ذلك، وأما معنى ويأكل الشجر هو أنه يتقوت إذا جاع يأكل من بقولِ الأرض كالملوخية والهِندبَاء والخبّيزة وما أشبه ذلك، وكان سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يأكل أحياناً الخبز بالخَل أي من غير أن يكون إدامٌ ءاخر غير الخل، وكثيراً من الأيام كان يأكل التمر مع الماء هو ونساؤهُ مع أنه كان يعطيهِنَّ حقوقهن، لكنهنَّ كُنَّ يؤثرنَ الآخرة، يوزعنَ ما يعطيهنَّ من حقوقهن، لكنهنَّ كُنَّ يؤثرنَ الآخرة، يوزعنَ ما يعطيهنَّ رسول الله من نفقاتِهن فيَرجِعنَ إلى التَّخَشُّن في المعيشةِ، يأكلنَ التمر والماء وما أشبه ذلك، هذه عادة الأنبياء، ولقد قال علماء المعاني علماء البيان: عاداتُ السادات سادات العادات، ثم الذي لا تطاوعُهُ نفسُهُ على تركِ التنّعم فليقلل، ثم التنّعم على نوعين تنعمٌ بالحلال، بالمال الحلال بالإكثار من المُستَلَذّات بالمأكولات والمشروبات ولُبس الثياب الفاخرة واتخاذِ الاثاث الجميل للبيت هذا إذا كان من الحلال من غير قصد الفخر والتّرفع على الناس فهو جائزٌ ليس حراماً لكن تركه أحسن، هو ليس واجباً ترك التنعم يجوز للإنسان أن يتنعم أي أن يتوسّع في الملذات من مال حلال بالمأكول والمشروب وكذلك أن يتوسع بالملبوسات الفاخرة والأثاث الفاخر، هذا إذا لم يكن للفخر، أما إذا كان للفخر فهو حرام، كثير من الناس إنما يبنون البناء الفاخر للفخر، كذلك أثاث المنازل كثير من الناس يقتنون منه الأثاث الفاخر لأجل الفخر، أي لأجل أن ينظرَ إليهم النّاس بعين التعظيم فلان بيتُهُ أثاثُهُ جميلٌ جداً، ليقال ذلك أو نحوُ ذلك، هذا الحرام، التنعم الذي هو حرام هو إذا كان للفخر، أو كان من مالٍ حرام ككثير من الأغنياء إنما جمعوا الأموال من الحرام، هؤلاء تنعُّمهم عذابٌ عليهم، في المال عذاب، الآن يتنعّمون لكن عاقبته عذاب ونكد وضيق، بهذين الشّرطين يجوز التنعم أن يكونَ المالُ حلالاً وأن لا يكون للتّفاخر، للفخر، حتى يتحدّثَ الناسُ عنه أن أثاث بيته جميل أو أن سيارته فخمة ونحو ذلك، هذا هو الفخرُ، ما يكون للفخر حرام الله تعالى لو عجّل عقوبة هؤلاء الذين يلبَسون الثياب الفاخرة للفخر أو يبنون البناء الجميل للفخر، أو يركبون المركوبات النفيسة الجميلة للفخر، لو عجّل عقوبتهم لعاقبهم في الدنيا قبل الآخرة لكنّه يؤخر عذاب أكثر الخلق إلى الآخرة وقد يُظهر الله تبارك وتعالى في هذه الدنيا عقوبةً على بعض من يلبس للفخر، الرسول صلى الله عليه وسلم حدثنا: “أن رجلاً ممن كان قبل هذه الأمة، أمة محمد، كان يمشي متبختراً ينظر في جانبيه، أعجبه ثوبُه وشَعَره، تهيئةُ شعرِهِ، وحسنُ شعره، بينما هو يمشي متبختراً أمر الله تبارك وتعالى به الأرض فبلعته فهو يتجلجل إلى يوم القيامة، يتجلجل فيها، (وفي القاموس التجلجل السّؤوخ في الأرض والتحرك والتضعضع) هذه الحادثةُ الواحدة أراد الله تعالى أن يجعلها عبرةً لبعض الناس، حتى يعتبر بها بعض الناس . اهـ

 

رحم الله من كتبه ومن نشره