السؤال: هل للأولياء نفع بعد موتهم؟ وهل يجوز أن يغيثوا من استغاث بهم؟ وهل يجوز الاستعانة بغير الحيّ الحاضر؟ وهل طلب المدد حرام أم حلال؟ وما هو الدليل الشرعي؟.
الجواب: في الفتاوى الرملية للإمام شمس الدين الرملي المنوفي المصري توفي سنة 1004 للهجرة رحمه الله وهو ملقب بالشافعي الصغير أنه: سُئِلَ عَمَّا يَقَعُ مِنْ الْعَامَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ يَا شَيْخُ فُلانٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الاسْتِغَاثَةِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالأوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لا؟ وَهَلْ لِلرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْمَشَايِخِ إغَاثَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِم؟ْ وَمَاذَا يُرَجِّحُ ذَلِكَ؟. فَأَجَاب بِأَنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ جَائِزَةٌ، وَلِلرُّسُلِ وَالأنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إغَاثَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لأَنَّ مُعْجِزَةَ الأنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ لا تَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمْ. أَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الأخْبَار (رواه البيهقي) وَتَكُونُ الإغَاثَةُ مِنْهُمْ مُعْجِزَةً لَهُمْ. وَالشُّهَدَاءُ أَيْضًا أَحْيَاءٌ شُوهِدُوا نَهَارًا جِهَارًا يُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ. وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَهِيَ كَرَامَةٌ لَهُمْ فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ الأوْلِيَاءِ أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ يُجْرِيهَا اللَّهُ تَعَالَى بِسَبَبِهِمْ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا أَنَّهَا أُمُورٌ مُمْكِنَةٌ لا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِهَا مُحَالٌ، وَكُلُّ مَا هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ جَائِزُ الْوُقُوعِ. وَعَلَى الْوُقُوعِ قِصَّةُ مَرْيَمَ وَرِزْقُهَا الآتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيلُ وَقِصَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَأَضْيَافِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَجَرَيَانُ النِّيلِ بِكِتَابِ عُمَرَ وَرُؤْيَتُهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ جَيْشَهُ بِنَهَاوَنْدَ حَتَّى قَالَ لأَمِيرِ الْجَيْشِ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ مُحَذِّرًا لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ لِكَمِينِ الْعَدُوِّ هُنَاكَ، وَسَمَاعُ سَارِيَةَ كَلامَهُ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ شَهْرَيْنِ، وَشُرْبُ خَالِدٍ (بن الوليد) السُّمَّ مِنْ غَيْرِ تَضَرُّرٍ بِهِ. وَقَدْ جَرَتْ خَوَارِقُ عَلَى أَيْدِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ َلا يُمْكِنُ إنْكَارُهَا لِتَوَاتُرِ مَجْمُوعِهَا، وَبِالْجُمْلَةِ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ لا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إلا التَّحَدِّي.
انتهى كلامه رحمه الله ورحم أباه وأستاذه وشيخه الإمام شهاب الدين الرملي (957 هـ.) وهو من مشاهير علماء الشافعية، وهذا الذي تقدم لا يخالفهم فيه غيرهم من فقهاء اهل السنة.
وفي صحيح البخاري رحمه الله قال وهو من أكابر السلف الصالح وعلمائهم: “باب العون بالمدد”، ثم يذكر حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية
وبنو لحيان، فزعموا أنهم قد أسلموا
واستمدّوه على قومهم فأمدّهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار إلى آخر الحديث.
وفي لسان العرب لابن منظور: أمددت الجيش بمدد، والاستمداد طلب المدد. قال أبو زيد :مددنا القوم أي صرنا مدداً لهم وأمددناهم بغيرنا. انتهى.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله ملائكة في الأرض سِوى الحَفَظَة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عَرْجَةٌ بأرض فلاة فليُنادِ أعينوا عباد الله”، رواه الحافظ الطبرني، وقال الحافظ الهيثمي: رجالُهُ ثِقات.
ففي هذا الحديث دليل واضح على جواز الاستعانة بغير الله لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقول إذا أصاب أحدنا مشكلة في فلاة من الأرض أي برّية “يا عباد الله أعينوا” فإن هذا ينفعه.
وهذا الحديث حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني ونصه كما في أماليه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله ملائكة سوى الحفظة سياحين في الفلاة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة في فلاة فلينادِ يا عباد الله أعينوا”، معناه أن الله تعالى يُسمع هؤلاء الملائكة الذين وُكلوا بأن يكتبوا ما يسقط من ورق الشجر في البرية، نداء هذا الشخص وإن كان على مسافة بعيدة منهم.
فالمدد والغوث والعون والتعوذ والاستعاذة والاستعانة والاستغاثة والتوسل والتوجه بفلان الصالح الى الله، كل ذلك بمجرّده ليس عبادة لذاك الصالح، لا من حيث اللغة يُسمّى عبادة ولا من حيث الشرع، ومن ادّعى غير ما نقول فهو مفتر أشر لا يجد ما يزعمه كذباً وزوراً في كتب أهل اللغة وعلماء السلف الصالح رضي الله عنهم.
العلماء قالوا: العبادة نهاية التذلل وغاية الخشوع والخضوع، وليس كما يقول بعض المبتدعة ان العبادة هي الاستغاثة والاستعانة والتعوذ، هذا غير موجود في كتب اللغويين والفقهاء الأكابر، لا الأوائل منهم ولا الأواخر .
الله الخالق وحده يستحق العبادة التي هي نهاية التذلل. أما الاستعانة بمخلوق، بمجرد ذلك لا يكون عابداً له، قال الله تعالى: “واستعينوا بالصبر والصلاة” (البقرة، 45) وكلاهما مخلوق، فلو كانت الاستعانة عبادة لكان الله آمراً بالشرك، وهذا مؤدى كلام بعض اهل البدعة يجعلون كتاب الله آمراً بالشرك، وأيّ ضلال هذا والعياذ بالله تعالى.
وكلام الشافعي الصغير مضافاً إلى ما سبق دليل واضح على صحة ما قدمناه وكررناه مراراً من مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك، والحمد لله تعالى.