شرح العقيدة المرشدة لابن عساكر 3،
قوله رحمه الله: “بسم الله الرحمن الرحيم”، المعنى أبتدئ تأليفي هذا بذكر اسم الله أو ابتدائي باسم الله. والرحمن الكثير الرحمة للمؤمنين والكافرين في الدنيا وللمؤمنين خاصة في الآخرة، والرحيم معناه الكثير الرحمة للمؤمنين. الكافر لا رحمة له بعد الموت، وقبيل موته يأتيه ملائكة العذاب.
قال رحمه الله: “اعلم أرشدَنَا الله وإياكَ أنه يجبُ على كل مكلفٍ أن يعلمَ أن الله عزَّ وجلَّ واحدٌ في مُلكِهِ”.
الشرح: قال الإمام البخاري في كتاب التفسير من صحيحه في قوله تعالى: “كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه” إلا مُلكَه، وهو دليل من كلام السلف في التأويل التفصيلي لأن الوجه الجارحة المتعارف عليه عند الناس لا يجوز على الله لاستحالة الجسمية عليه سبحانه، بل قال الامام الشافعي: المجسم كافر، نقله السيوطي في الاشباه والنظائر.
والمُلك هنا معناه السلطان، والمراد أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد جزمًا من غير شك أن الله تعالى لا شريك له في سُلطانه، أي ليس لهذا العالم مالكٌ غيره ولا مدبرٌ غيره ولا إله غيره.
والواحد إذا أطلق على الله معناه الذي لا شريك له في الألوهية ولا مثيل له. والمكلَّف هو البالغ العاقل الذي بلغته دعوة الإسلام.
قال رحمه الله: “خَلَقَ العالمَ بأسرِهِ العلويَّ والسُّفليَّ والعرشَ والكرسيَّ والسمواتِ والأرضَ وما فيهمَا وما بينهمَا”.
الشرح: أن العالم العلويَّ هو السموات وما فوقها، والسفليَّ الأرضين وما تحتها. والمعنى أن كل شيء في هذا العالم إن كان في السموات أو في الأرض أو فوق السموات أو بين السموات والأرض أو تحت الأرض، كلّ ذلك بخلق الله عزَّ وجلَّ، هو الذي أخرجه من العدم إلى الوجود. ويدخل في ذلك أعمال العباد ونواياهم إذ هي جزء من هذا العالم، قال الله تعالى: ﴿وخَلَقَ كُلَّ شيء﴾ [سورة الفرقان]. والمقصود بما في السموات كالملائكة، وبما فوقها كالجنة، وبما بين السموات والأرض كالقمر والشمس والنجوم، وبما في الأرض كالبشر، وبما تحت الأرض كجهنم فإنها موجودة تحت الأرض السابعة.
وفي قوله خلق العرش والسموات الى آخره، اشارة واضحة الى استغنائه سبحانه عن ذلك كله، فلا يجوز عليه تعالى الجلوس على العرش ولا التحيّز في السماء لأن الله خالق ذلك كله، فمن وصف الله بذلك ضلّ ضلالاً بعيداً، وعلى هذا إجماع السلف. قال الامام الطحاوي (321 هـ.) إن إجماع أهل السنة انعقد على أن من وصف الله بصفة من صفات البشر فقد كفر.