الحمدلله وبعد، فإنه من المعلوم المنتشر بين المسلمين وهو حق، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ المكتوب ولا يكتب بيده، وهذا معدود في جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وأما ما تقوله وتنشره بعض الفرق من غير أهل السنة والجماعة من أن النبيّ كان يقرأ ويكتب فهو باطل والعياذ بالله تعالى.
فهو صلى الله عليه وسلم قد جاء بكلامٍ أعجزَ الشعراء والكتّاب والبلغاء فكانت معجزة من معجزاته أنه أميّ ملأ الدنيا علماً وحضارةً وأحاديثهُ عمدةٌ يُحتجُ بها وكلامه قاعدة يُلجأ إليها في اللغة والنحو والمنطق والبيان والخطابة والكتابة، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى فيه: “وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَىٰ” (سورة النجم) وثبتت أميتهُ عليه الصلاة والسلام بنص الحديث عند أول نزول الوحي لما قال له جبريل: اقرأ فقال “ما أنا بقارئ”، معناه لا أعرف القراءة.
والأمية في حقه عليه السلام مدحٌ والمدح فيها أنه أميٌ معلم لغيره من العلماء والفصحاء، أميٌّ أعجز بلغاء العرب وتحداهم بلغتهم فعجزوا عن التحدي ولجؤوا إلى الافتراء والحرب والمكيدة مع علمهم بأنه لا يقرأ المكتوب ولا يكتب بيده صلى الله عليه وسلم، ولو استطاعوا أن يتحدوه بمثل ما جاء به لما كلفوا أنفسهم الحرب والموت وخراب الديار.
والأميّ في لغة العرب هو الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب وسمّيَ أمياً أي على خلقة أمه لم يتعلم الكتابة فهو على جِبلَتهِ كما في قوله تعالى: “وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ” (سورة البقرة، 78).
وفي لسان العرب لابن منظور: “وقيل لسيدنا محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأُمِّي، لأَن أُمَّة العرب لم تكن تَكْتُب ولا تَقْرَأ المَكْتُوبَ، وبَعَثَه الله رسولاً وهو لا يَكْتُب ولا يَقْرأُ من كِتاب، وكانت هذه الخلَّة إحْدَى آياته المُعجِزة لأَنه صلى الله عليه وسلم تَلا عليهم كِتابَ الله مَنْظُوماً تارة بعد أُخْرَى بالنَّظْم الذي أُنْزِل عليه فلم يُغَيِّره ولم يُبَدِّل أَلفاظَه، وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: “وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذاً لارْتابَ المُبْطِلون” (سورة البقرة، 48) (أي) الذين كفروا، ولَقالوا إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب. انتهى.
وقد وصف الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالأمي بقوله تعالى: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ” (سورة الأعراف، 157).
وفي الحديث عنه صلوات الله وسلامه عليه قال:” إنا أمة أميةٌ لا نكتبُ ولا نحسبُ” وليس المراد منه مدح مطلق للأمية وعدم القراءة والكتابة وإنما مُراده حساب النجوم لمعرفة أوائل الشهور.
وأما استدلال المعترض بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (سورة الجمعة، 2) وقول هذا المنحرف: كيف يعلمهم ما لا يحسن؟ فلا وجه له، لأن الآية ليس فيها أنه يعلمهم القراءة والكتابة، وإنما يعلمهم ما آتاه الله تعالى من الكتاب أي القرآن والحكمة أي الحديث، وفي الآية ما يوضح ذلك وهو وصف الأمة بالأمية، فالبعثة النبوية لم ترفع عنهم هذا الوصف، ولكنها رفعت عنهم الوصف بالجهل والضلالة، وذلك حاصل بالعلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتزكية النفوس بذلك الذي تعلموه من الكتاب والسنة من خلال العمل به، وهذه هي التقوی لا تكون الا بالعلم والعمل وفق مذهب اهل السنة.
أما ما هو موجود في كتب بعض الفرق من غير أهل السنة والجماعة من أن النبيّ كان يقرأ ويكتب فهذا كذب مبين على النبي المطهر الذي تعدّ أمّيته في جملة معجزاته كما بيّن الله تعالى في القرآن الكريم أنه لو لم يكن أمياً لارتاب المبطلون كما تقدّم من سورة العنكبوت الآية 48.
فالحذر الحذر مما يوزع من ذلك عبر الواتس أب وغيره والعياذ بالله، وليعلم أنه ليس مما يقول به أهل السنة والجماعة، ولكن هو قول لبعض الفرق المنحرفة عن الحق نسأل الله السلامة.