السؤال: ما هو الدليل على نفع الأنبياء بعد موتهم في حياتهم البرزخية لأن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون، حديث رواه البيهقي، ولو تعطي مثالاً على ذلك.
الجواب، في ذكر قصة الإِسْراءُ والمِعْراجُ وهما من معجزاته العظيمة صلى الله عليه وسلم.
فالإسْراءُ ثَبتَ بنَصّ القُرآنِ والحديثِ الصَّحيح الذي رواه ابن حبان، فيَجبُ الإيمانُ بأنَّه صلى الله عليه وسلم أسْرَى الله به ليلا من مكةَ إلى المسجدِ الأقصى. وأمَّا المعْراجُ فقدْ ثبتَ بنَصّ الأحَاديثِ رواه البخاري. وأمَّا القرآنُ فلم ينُصَّ على المعراج نصًّا صَريحًا لا يَحتمِلُ تأويْلا، لكنَّهُ وردَ فيه مَا يَكَادُ يَكُونُ نَصًّا صَرِيحًا.
فالإسْراءُ قَد جاءَ فيه قَولُه تَعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا) [سورة الإسراء].
وروى مُسْلمٌ عن أنس بن مَالكٍ رضيَ الله عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال “أُتِيتُ بالبُراقِ (من دوابّ الجنة) وهوَ دابَّةٌ أبيَضُ طَويلٌ فَوقَ الحمارِ ودُوْنَ البَغْلِ يضَعُ حافِرَهُ عندَ منتَهَى طرْفِهِ (بصره)، قالَ: فركِبْتُه حتّى أتيتُ بيتَ المقْدِسِ فَربَطتُهُ بالحلَقَةِ التي يَربِطُ بها الأنبياءُ، قال: ثم دخَلْتُ المسجِدَ فَصلَّيتُ فيه ركْعتينِ، ثمَّ خَرجْتُ فجاءَني جبريلُ عليه السلام بإناءٍ من خَمرٍ (لا يُصدع ولا يُسكر) وإنَاءٍ منْ لَبَنٍ (حليب) فاختَرتُ اللّبَنَ، فقالَ جبريلُ عليه السلامُ: “اختَرْتَ الفِطْرَةَ (معناه تمسكت بالدين) قال: ثمّ عَرَجَ بنَا إلى السَّماءِ” إلى آخِرِ الحديثِ.
وفي الحديثِ دَليلٌ على أنَّ الإسْراءَ والمعْراجَ كانَا في ليلةٍ واحدةٍ برُوْحِهِ وجَسَدِهِ يقَظَةً صلى الله عليه وسلم.
وفي المعراج ذهبَ جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى سدرةِ المنتهى وإذا ورقُها كآذانِ الفيلةِ، وإذا ثمرُها كالقلالِ (جمع قلة وهي الجرة العظيمة). يقول الرسول صَلَّى الله عليه وسلم: فلما غشيها من أمر اللهِ ما غشيَ تغيَّرت فما أحدٌ من خلق الله يستطيعُ أن ينعتها من حُسنها فأوحى الله إليَّ ما أوحى ففرضَ عليَّ خمسينَ صلاةً في كلّ يومٍ وليلةٍ، فنزلتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال: ما فرضَ ربُّك على أمّتِك؟ قلتُ: خمسينَ صلاةً، قال: ارجِع إلى ربّك (هذا ليس معناهُ أنه في مكان يسكنه الله، إنما معناه ارجع إلى المكان الذي تلقيت فيه الأمر بالصلاة من ربك. الله موجود بلا مكان) فاسألهُ التخفيفَ فإنَّ أمتَكَ لا يُطيقون ذلك فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخبرتُهم. قال: فرجعتُ إلى ربي فقلت: يا ربّ خفّف على أمتي؛ فحطَّ عني خمسًا فرجعتُ إلى موسى فقلتُ حطَّ عني خمسًا. قال: إنَّ أمّتك لا يُطيقونَ ذلك فارجعَ إلى ربّك فاسأله التخفيفَ قال: فلم أزلْ أرجِع بين ربي تبارك وتعالى (أي المكان الذي كنت أتلقى فيه الوحي من ربي) وبين موسى عليه السلام حتى قال (الله تعالى وحياً إلى نبيه بلا حرف ولا صوت): يا محمد إنهنّ خمسُ صلوات كلّ يومٍ وليلة لكلّ صلاةٍ عشرٌ، فذلك خمسون صلاةً. ومن همَّ (الهمّ أمر أقلّ من العزم وأقلّ من فعل الشيء) بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبتْ له عشرًا، ومن همَّ بسيئةٍ (أي ولم يعزم) فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كُتبت سيئًة واحدةً قال: فنزلتْ حتى انتهيتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه فقال ارجع إلى ربّك فاسأله التخفيفَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلتُ: قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييتُ منهُ” رواهُ مسلم.
وفي هذا الحديث دليل لأهل الحق أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية على أن النبيَّ والوليَّ له تصرّف بعد وفاته وينفع بإذن الله، أليس سيدنا موسى عليه السلام نفعَ أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم نفعًا عظيمًا بهذا الذي حصل ليلة المعراج حين أشار على الرسول أن يطلب من ربه التخفيف في عدد الصلوات، وهي خمس بخمسين”، وهذا رد على أتباع ابن تيمية الضالّ ممن يعتبرون التوسل بالأنبياء والأولياء إلى الله تعالى شركًا والعياذ بالله.