كانَ لكلٍّ من أنبياءِ الله تعالى الذينَ أرسلَهُم بدينِ الإسلام دينِ الحقِ، معجزاتٌ عديدةٌ تأييدًا لهم وتصديقًا لنبوتِهم.
وكان سيدُنا عيسَى عليه السلامُ مِنَ الأنبياءِ الذين أوتُوا معجزاتٍ عظيمةً كثيرةً منها معجزةُ نزولِ المائدةِ.
قالَ الله تعالى في سورةِ المائدة :”قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (المائدة، ١١٤).
وكان سيدُّنا عيسَى قد أَمَرَ الحواريينَ وهُم خِيرةُ مَنْ آمنوا به عليهِ السلامُ، بصيامِ ثلاثين يومًا، فلما أتَمُوها كانُوا معه في صحراءَ، وكان سيدُّنَا عيسى إذا خرج تَبِعَهُ ألوفُ الناسِ بعضُهُم أصحابُهُ، وبعضهم يطلبونَ منه الدعاءَ لَهُم لمرضٍ بِهم أو علةٍ اذ كانوا أصحابَ عاهاتٍٍ، والبعضُ الآخرُ يتبعونَهُ للاستهزاءِ والتشويشِ.
سألَ الحواريونَ سيدَنَا عيسَى عليه السلامُ إنزالَ مائدةٍ من السَّماءِ عليهم لتَطْمَئِنَّ قلوبُهم بأنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد تَقَبَّلَ صِيامَهُم، وتكونَ لَهُم عيدًا يُفطِرُونَ عليها يومَ فِطرِهِم، وطلبُوا أن تكونَ كافيةً لأولِهِم وآخرهم ولغنِيِّهِم ولفقيرِهِم، ولكن سيدنا عيسى وَعَظَهُم في ذلك وخافَ ألا يقومُوا بشكرِ اللهِ كما يَجِبُ بعد إنزال تلك المائدة، وهم قد رَأَوْا الكثيرَ من المعجزاتِ، فلماذا يطلبُونَ المزيدَ؟
وكانَ الجوابُ أنَّهُم يُريدونَ الأَكلَ منهَا للتبركِ.
ولَمَّا ألَحوا عليهِ في ذلك قامَ إلى حيثُ كانَ يُصَلِّي ولَبِسَ ثيابًا من شَعَرٍ وأطرقَ رأسَهُ وبَكَى خوفًا من الله تعالى وأخذَ يتضرعُ ويدعُو بأنْ يُجابُوا إلى مـا طلبوا، فاستجابَ اللهُ عزَّ وجلَّ دعاءَهُ، ونزلت المائدةُ من السماءِ بينَ غَمَامتَينِ، غمامةٌ فوقَهَا وأخرى تَحتَهَا، وحولَهَا الملائكةُ، وصارَت المائدةْ تدنُو شيئًا، وكلَّما اقتربَتْ منهم يسألُ عيسى المسيحُ ربَهُ تعالى أن يَجعلها رَحـمةً لا نِقمةً وأن يَجعلها سلامًا وبركةً.
فلم تزلْ تدنُو حتَّى استقرَتْ بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاةٌ بِمِنديلٍ، فقام يكشفُ عنها وهو يقولُ “بسمِ اللهِ خيرِ الرازقِينَ” وإذَا عليها من الطعامِ سبعُ أسماكٍ كبيرةٍ وسبعةُ أرغفةٍ وخلٌّ وملحٌ ورمانٌ وعسلٌ وثِمارٌ وهم يَجدونَ لَهَا رائحةً طيبة جدًا لَم يكونُوا يَجِدُونَ مثلَهَا قبلَ ذلكَ .
فأكلُوا منها وحَصَلَتْ بركاتُ هذهِ المعجزةِ العظيمةِ إذ شُفِيَ كلُّ مَنْ بِهِ عاهةٌ أو آفةٌ أو مرضٌ مزمنٌ فنَدِمَ الناسُ الذينَ لَم يأكلُوا منها لِمَا رَأَوْا من إصلاحِ حالِ أولئكَ الذينَ أكلُوا، ولَمَّا تزاحم الناسُ على المائدةِ جَعَلَ سيدُّنَا عيسَى دورًا لكلٍ منهُم، وكان يأكلُ آخرُهُم كما يأكلُ أولُهُم، حتَّى قِيلَ إنهُ كانَ يأكلُ منهَا كُلَّ يومٍ سبعةُ آلآفِ شخصٍ.
وتَحَدَّثَ الناسُ عن هذهِ المعجزةِ العظيمةِ، فآمنَ خَلْقٌ كثيرٌ، وازدادَ المؤمنونَ يقينًا وثباتًا في إيـمانِهِم.ا.هـ.