قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأكبر في تنزيه الله تعالی: “ونحن نتكلم بالآلات والحروف، والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف. الحروف مخلوقة، وكلام الله غير مخلوق”.
ثم ليعلم أن الأساس في دين الاسلام هو تَوحيد اللهِ تعالى، معناه توحيد الله في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه.
الله تعالى ذاتُه ليسَ كسَائر الذّوات، ليسَ جِسمًا لطيفًا ولا جِسمًا كثِيفًا.
الجِسمُ اللّطيفُ كالهواء والرّوح، أمّا الجسمُ الكثيف فهو كالإنسانِ والشّجَر والحجَر والنّجُوم.
فمن لم يُنزّه الله تعالى عن التّشبيه بخلقِه فهو غيرُ عارفٍ برَبّه، غيرُ مؤمنٍ بربّه. إنما المؤمنُ هو الذي يؤمنُ بوجُودِ اللهِ مِن غيرِ أن يُشبّهَه بشَيء سبحانه.
فاللهُ تعالى ذاتُه أي حقيقتُه لا يُشبهُ الذّوات.
وأما تَوحيدُ الله في صفاتِه فهوَ أن يعتقدَ الإنسانُ أنّ الله تعالى لهُ صفاتٌ أزليةٌ أبديةٌ ليسَت طارئةً عليه.
وجودُ الله تعالى ليسَ كوجُودنا، وجودُنا حادث،ٌ أمّا وجود الله تعالى أزلي.
وأمّا توحيدُ الله في الأفعالِ فهو أن يعتقدَ المرءُ أنّ الله تبارك وتعالى يفعَلُ فِعلاً بقُدرته الأزلية بتكوينه الأزلي بلا مباشَرة ولا مماسّة لشيء.
الله تعالى ما خلق شيئًا مِن خَلقِه بالمماسّة، إنما خَلقَه بقُدرتِه الأزليّة ومشيئتِه الأزليّة مِن دون عِلاج، أي مِن دونِ حركةٍ ومُباشَرة.
أفعالَ الله تعالى ليسَت كأفعالنا.
الله تعالى لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ وذلك لأنّ الماسَّ والممسُوسَ لا يكون إلا حادثًا.
لو كان اللهُ تَعالى يمَسُّ أو يُمَس لم يكن إلهاً.
قال الله تعالى: “إنّما أَمْرُه إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لهُ كُن فيكون” معناهُ الله تبارك وتعالى يَخلُق الشيء بلا حَركةٍ ولا استعمالِ آلة، إنما بمجَرّد مشيئتِه الأزلية يحصلُ الشّيء، بمجرّد إرادته الأزليّة وقدرتِه الأزلية يحصُل الشيء.
هذه العوالم كلّها دخلَت في الوجود بمشيئةِ الله وقدرته الأزليَّين.
هذا معنى إنما أمرُه إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ له كُن فيَكون. ليس المعنى أنّ الله تعالى يُحدِث قَولا مركّبًا مِن كافٍ ونُون عند تكوينِ كلّ شيءٍ مِن خَلقِه، ليس معناهُ أنّه يقولُ كُن كما نحنُ نقُول كُن نأتي بحرفَين: الكافِ والنّون.
الذي يتَوهّم هذا في حق الله تعالى فهذا نسَب إلى الله صفةَ الحدوث، جعَل الله حادثًا مخلوقًا.
وهؤلاء الذين لا يُنزّهون الله تبارك وتعالى عن مُشابَهة الخلق على زعمِهم كيف يكونُ الأمر.. هل يقولونَ عندَ خَلقِ أيّ شىءٍ يَنطقُ بالكاف والنّون؟!.. النطق بالحرف والصوت صفةُ المخلوقاتِ.
واللهُ تَعالى لا يجُوز عليه أن يَنطِقَ بمثلِ هذا اللفظ،ِ إنما عبّر اللهُ تعالى في القرآنِ بهذا التّعبير ليقرّبَ لنا ويفَهّمنا أنّهُ يَخلُق الأشياءَ بلا تعَب ومشَقّة كما أنه في حَق المخلوق كلمةُ كن ما فيها تعَب.
فالله تعالى قرّب لنا بقولِه هذا إثبات تَكوينِه للمخلوقاتِ حتى نَفهم أنّ الله تبارك وتعالى لا يحتاجُ في خَلقِ شَيء ما إلى حرَكةٍ وسكُون واستعمالِ آلةٍ، فبمجَرّد تعَلُّق إرادتِه الأزليّة ومشيئته وقدرتِه الأزليّة على وَفْق عِلمِه الأزليّ بالمحدَثات توجَد المحدَثاتُ، تُخلَق المحدَثات.
هذا التّنزيه لا يغِبْ عن بالِكُم، استحضِرُوه على الدّوام واطرُدوا عن خواطرِكُم ما يخالفُ هذا.