القرآن شرف لأهله، إذا عملوا بأحكامه |
||
خلق الله تعالى الإنسان، وأنزل عليه شرائع سماوية، قام بتبليغها إليه أنبياء الله تعالى ورسله، الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل الله تعالى عليه القرآن، بما اشتمل عليه من الأحكام. القرءان يعالج النفس البشرية في أبعادها الثلاثة، التي هي القلب واللسان والجوارح، فجعل الله لكل واحد من هذه الأبعاد ما يعالجه من الأحكام، كي يرتقي بالإنسان من خلالها في مراقي الكمالات البشرية. فصار القرآن الذي يعالج الأبعاد الثلاثة في الإنسان، هو عنصر الشفاء للنفس من أمراضها، كما قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) الإسراء آية: 82، فقد أنزل الله تعالى فيه من الأحكام ما يعالج أمراض القلب، من الغل والحقد والحسد والظن السيء، والاعتقادات الباطلة والتصورات الفاسدة، كي يشفى القلب من هذه الأمراض، فيحمل الصحة والسلامة إلى النفس، لأن القلب هو الأصل فيها والأساس، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”(1). كما أنزل الله تعالى في القرآن من الأحكام ما يعالج أمراض اللسان، من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وكذلك الكفر والشرك، كي يشفي اللسان من هذه الأمراض، فيحمل الصحة إلى الجوارح، لأن الجوارح من حيث الأصل تترجم ما ينطق بن اللسان، كما أن اللسان يترجم ما يفكر به القلب، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ به جبل وأشار إلى لسانه (كف عنك هذا) قال: وإنا لمؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟ قال: نعم، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم”(2). كما أنزل الله تعالى في القرآن من الأحكام، ما يعالج أمراض الجوارح من الإنسان، كالسحر والكهانة والتنجيم، والقتل والزنا والقذف والسرقة والغضب وقطع الطريق وغير ذلك، كي تشفى الجوارح من هذه الأمراض وتحمل بالتالي الصحة إلى النفس، حيث تستقيم وتستقر وتأمن، وبدون ذلك تضطرب وتشقى، كما قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) طه آية: 123 – 126. وبالتالي فإن القرآن يدل الإنسان الدلالة الصحيحة التي لا خطأ فيها ولا اعوجاج، يهدي المؤمنين إلى الحق والخير في الدنيا، ويهديهم يوم القيامة إلى طريق الجنة، وبالمقابل يحذر الكافرين من دخول النار يوم القيامة، كما قال تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) الإسراء آية: 9 – 10. ومن هنا فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم، على قراءة القرآن ورغب في الإكثار من ذلك، فقال: “من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف”(3) وقال أيضاً: “يقال يوم القيامة لقارئ القرآن اقرأ وارتق، فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية تقرؤها”(4). ولكن الناس مع القرآن على أربعة أصناف: الصنف الأول: يقرأ القرآن ويعمل بأحكامه، وهذا يشبه الأترجة، وهي لها رائحة طيبة، وطعمها حلو، والصنف الثاني: مؤمن لا يقرأ القرآن، لكنه يعمل به، وهذا يشبه التمرة، فإنها لا ريح لها ولكن طعمها حلو، الصنف الثالث: منافق يقرأ القرآن، ولا يعمل بأحكامه، وهذا يشبه الريحانة، وهي الزهرة أو الوردة أو ما يسمى بالحبق، فإنها ذات رائحة طيبة، لكن طعمها مر، الصنف الرابع: منافق لا يقرأ القرآن، وهذا يشبه الحنظلة، فإنها ثمرة مكورة الشكل ليس لها رائحة، وطعمها مر، كما قال صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها حلو، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، لا ريح لها وطعمها مرّ”(5). فينبغي على المؤمن أن يقرأ القرآن، وأن يكثر من ذلك، مع حمل نفسه على العمل بأحكام القرآن، فيُحلّ حلاله ويحرم حرامه: ويقف عند حدوده، ويلتزم بأخلاقه وآدابه، ويدعو الناس إلى ذلك، لينشر فيهم الحق والعدل، وينشر فيهم الخير والأمن، فيصبح بذلك ذا سمعة طيبة، ويصبح بذلك ذا معدن أصيل، ويصير بذلك محل ثقة الناس ومحل اعتبارهم، يدعوهم بأقواله وأفعاله إلى دين الله تعالى، ويرغبهم بذلك في الالتزام بالأحكام الشرعية، ليوصلهم إلى الخير في الدنيا، وإلى الجنة في الآخرة. ومن هنا صار القرآن شرفاً للفرد المؤمن العامل به، في حياته الفردية وفي حياته الجماعية، وشرفاً للأمة ورفعة لها بين الأمم، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الأنبياء آية: 10، وبالتالي فإن الإيمان بالقرآن وقراءة القرآن والعمل بأحكام القرآن يرفع الإنسان، ويعلي شأنه بين الناس، وإن عدم الإيمان بالقرآن أو عدم قراءة القرآن، أو عدم العمل بأحكام القرآن، يخفض الإنسان، ويحط من مكانته عند الله تعالى وعند الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواماً، ويضع به آخرين”(6). فلا يجوز للمؤمن بعد ذلك أن يعبأ بالشعارات، التي تتعارض مع أحكام القرآن، لأن القرآن نزل بعلم الله تعالى الأزلي، فيه علاج النفس البشرية من أمراضها بحكمة الله تعالى، فلا حق يعلو فوق القرآن، ولا علاج يتقدم على علاج القرآن، لأن كل علم بعد علم الله تعالى محدود، ولأن كل حكمة بعد حكمة الله تعالى ناقصة (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ) يونس آية: 32. فلا عجب بعد ذلك أن يحارب الكافرون القرآن، ولا عجب أن يحاولوا فرض الحصار عليه، لمنعه من الوصول إلى أفراد الأمة وجماعاتها، ولمنعه من الوصول إلى ذكور الأمة وإناثها، ولمنعه من معالجة أمراض الأمة من ألسنة أبنائها، أو قلوب أجيالها، أو جوارح منسوبيها، لأن علاج ذلك فيهم يفتح الباب نحو رص صفوفهم، وجمع كلمتهم، وتوحيد جهودهم، وعندئذ يصبحون قوة لا يستهان بها في مواجهة خصومهم ومنازلة أعدائهم لأن الله تعالى يكون معهم عندئذ، ومن كان الله معه كان النصر حليفه وفي الحديث: “يد الله مع الجماعة”(7). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) سورة محمد آية: 8 – 9، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات آية: 13، |