ﻣﻦ ﺇﺭﺙ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ ﻗﺎﻝ ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻭﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻪ:
قال الله تبارك وتعالى {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير}، هذه الآية من الآيات المحكمة. وهي بالنسبة لآيات الصِـّفات، أي الآيات التي ذكرت فيها صفاتُ الله، هي الأصل الذي يُرَدُّ إليه سائر الآيات المتشابهات في الصفات.
ءايات الصفات المتشابِهة تُردّ إلى هذه الآية لأنها محكمة ليس فيها غمُوض، وذلك لأنها تنزّه الله عن كل شىء من صفات الخَلْق.
الخلق على اختلاف أصْنَافهم وأنواعهم: الأجرام الكثيفة والأجرام اللطيفة، كُلٌّ له حدّ أي مِقدار. والله لا يجوز عليهِ المِقْدار.
الانسان له مِقدار. وما كان أصغرَ من الانسان كذلك له مقدار. حتى الذرة لها مقدار وحبّةُ الخَرْدل لها مِقدار. الإنسان له مِقدار أي حدٌ. والأرضُ التي تحمِلُنا لها مِقدار أي حدٌّ. والسّماء التي تُظِلُّنا لها مِقدار. والعَرش له مِقْدار. هذه الأشياء ما خلقت نفسها على هذا المقدار. الانسان ما خلق نفسَه على هذا المِقدار، على هذه المِساحة، على هذا الحدّ الذي هو عليه. وكذلك سائر الأجرام ما كانَ أصغَر من الانسان وما كان أكبر من الانسان، كلٌ ما خلق نفسَه على الحدّ الذي هو عليه.
لا يجوز في العقل أن يكون الانسان هو خلق نفسَه على هذا المِقدار. ولا يجوز أن يكون من دُون خالِق جعلَه على هذا المقدار، وُجد بهذا المِقْدار، وكذلك سائر الأشياء، لأنّه كان في العقل يجوز أن يكون هذا الانسان أصغرَ من هذا المِقْدار كحبّة خردل، جائز في العقل أن يكون كذلك، وجائز في العقل أن يكون كالجبل، وجائز في العقل أن يكون كالسّماء، لكنْ وجودُه بهذه الهيئة ليس من قِبَل نفسِه، ولا من قبل ما كان يُشبِهُه في صفاته، فيجب في العقل أن يكونَ مخصِـّصٌ موجودٌ خصَّصَه.
وذلك الموجود الذي خصَّصَ الانسان بهذا المقدار، والعرشَ بهذا المقدار والأرضَ بمقدارها الذي هي عليه، والسّماء بمقدارها الذي عليه، موجودٌ لا يشبِهُها، لا يشبه هذه الأنواع من المخلوقات.
وكان مستحيلاً على موجِد هذه الأشياء الذي خصّصَها بهيئاتها ومقاديرها أن يكون له كمّية. ليس له حدٌ ومِقدارٌ، لا حدٌّ صغير ولا حدٌّ كبير.
الآية نزّهت الله تعالى عما ينزّهُه العقل الصحيح عنه.اهـ
الدعاء ارجو لناشره