فإن لآية الكرسي من كتاب الله تعالى فضائل كثيرة لاشتمالها على معاني التوحيد والتنزيه والتمجيد لله عز وجل، وقد حضّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على كثرة قراءتها لما لها من بركة خاصة بما حوته من معالم الدين وأسس الإسلام، ولا سيما بعد الصلوات المكتوبات.
وقد بالغ السلف في قراءتها والاستفادة من أسرارها حتى كان بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم يقرأها في زوايا بيته لتحرسه بإذن الله تعالى، ففي تفسير القرطبي رحمه الله قال: “فهذه آية أنزلها الله جل ذكره وجعل ثوابها لقارئها عاجلاً وآجلاً، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الآفات، وروي لنا عن نوف البكالي أنه قال: “آية الكرسي تدعى في التوراة ولية الله”، يريد يدعى قارئها في ملكوت السماوات والأرض عزيزاً، قال: فكان عبدالرحمن بن عوف (رضي الله عنه) إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوايا بيته الأربع، معناه كأنه يلتمس بذلك أن تكون له حارساً من جوانبه الأربع وأن تنفي عنه الشيطان من زوايا بيته. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه صارع جنياً فصرعه عمر رضي الله عنه، فقال له الجني: خلّ عني حتى أعلمك ما تمتنعون به منا، فخلّى عنه وسأله فقال: إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي. قلت: هذا صحيح”، انتهى من كلام القرطبي يرويه بلا إنكار ولا مطعن ولا مغمز، فلا عبرة بمن يطعن في ذلك لأن هذا أولاً مما فعله السلف الصالح من الصحابة الأكابر رضي الله عنهم، ثم لا مانع حتى لو لم يفعله السلف الصالح أن يفعله المسلمون لأنه قراءة آية من كتاب الله تعالى، فإن قرأها في زوايا بيته أو على باب بيته أو على السطح، من أين لجاهل متعدّ أن يحرّم ذلك إلا أن يكون لديه بغضاء خاصة لهذه الآية الكريمة وما فيها من الذكر الشريف.
وهذا الذي ذَكَره القرطبي رواه الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد من طريق عبد الله بن عُبيد بن عمير قال: كان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل مَنْزِله قرأ في زواياه آية الكرسي، قال الحافظ الهيثمي: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات إلا أن عبد الله لم يَسمع من ابن عوف. اهـ. ولم يقل الهيثمي ولا غيره إن هذا موضوع مكذوب لا يجوز العمل به، بل من المعروف لدى من مارس شيئاً من علم الحديث الشريف أن الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره من أهل العلم كثيراً ما يتساهلون في الأسانيد في فضائل الأعمال، فلا يَصِحّ اعتبار هذا مِن البِدَع السيئة بل هو سنة حسنة تندرج تحت الأمر بقراءة القرآن، فمن حرّمها أو طعن فيها يكون داخلاً تحت حديث “هلك المتنطعون”