الحمد لله رب العالمين صلوات الله البرِّ الرّحيم والملائكة المقرّبين على سيّدنا محمَّدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى آله وصحبه الطّيبين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين، أمّا بَعدُ فإنّ الله تبارك وتعالى خلَق الإنسانَ بإرادتِه وقُدرَتِه الأزليَّتين وتَقديرِه الأزليّ ولم يَخلُقْه عبَثًا بل خَلقَه لِيُأمَر بأوامرَ فيؤدِّيَها ويُنهَى عن أشياءَ فيَجتَنِبَها وجَعلَ جَزاءهُم على ذلكَ أنّ مَن امتَثلَ أوامرَ الله واجتَنبَ مَناهيَه أي الأشياءَ التي حرَّمها وشكَر ربَّه بأنْ صرَف جميعَ ما أنعَم اللهُ عليهِ بهِ مِنَ النِّعم كالفؤاد أي القَلب واللّسانِ والعَين والأذُن واليَدِ والرِّجْل، إذ صرَف كُلَّ ذلكَ فيما لم يُحرِّم اللهُ تَبارك وتعالى بل صرَفَه فيما أمَرَ الله به أي إذا حفِظَ قَلبَه عن المحرَّمات وسَمْعَه وبصَرَه ويدَه ورِجْلَه، كلُّ ما أنعَم اللهُ عليه به مِن نِعمَة ولا سِيّما اللّسان كَفّه عما حرَّم الله وأدَّى ما فرَض اللهُ عليهِ جَعلَ جزاءه النّعيمَ المقيمَ الذي لا يَنفَدُ ولا يَنقَطع، القَلبُ الذي خلقَه اللهُ فينا عليه واجباتٌ إذا لم يؤدّها يكونُ صاحِبُه مُعذَّبًا في الآخرة، واللسانُ كذلك عليه واجباتٌ إذا لم يؤَدّها يكونُ مستَحقًّا لعَذاب الله في الآخِرة والعَينُ كذلكَ والسَّمْعُ أي الأذُن والرّجلُ واليَدُ كلُّ ذلكَ عليه واجباتٌ فمَن أدّى هذه الواجباتِ فقَد شَكرَ اللهَ تعالى على هذه النِّعم شكَر اللهَ على هذاالفؤادِ أي القلبِ الذي يَعْقِلُ بهِ ويُميّزُ بهِ بينَ القَبِيح وبينَ الحسَن وبينَ ما يَنفَعُه وما يَضُرّه، شكَر اللهَ تعالى على هذه النّعمَة أي نعمةِ الفؤاد أي القَلب لأنّ القَلبَ يَنفَع صاحبَه إذا استَعملَه الإنسانُ فيما أمرَ اللهُ به، مثَلا الإنسانُ تفَكّرَ في خَلْق السّماوات والأرض وخَلْقِ نَفسِه فاسْتَشعَرَ بتَعظِيم الله تعالى يكونُ لهُ أجرٌ كبيرٌ بهذا الاستِشعَار،التّفَكُّر فَرضٌ، سيّدُنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قَرأ هذه الآيةَ التي في سورة آل عِمران: ((إنّ في خلْق السّماواتِ والأرضِ واختِلافِ اللّيلِ والنَّهارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبابِ الذينَ يَذكُرونَ اللهَ قِيامًا وقعُودًا وعلى جنُوبِهم ويتَفَكّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ والأرض ربَّنَا ما خَلَقْتَ هذا باطلا))ثم قال بعدَما قرأ الآيةَ: “*وَيْلٌ لم قرَأَها ولم يتَفكَّرْ فيها*رواه ابن حبان” فمِن هنا نَعلَم أنّ على الإنسانَ أن يتَفكّر أي يَنظُر في أحوالِ العالَم في حالِ نَفسِه وفي حَالِ هذا الجوّ حتّى يَزدَادَ يَقينًا بوجُودِ الله الذي خلَق هذه الأشياءَ كلَّها، لأنّ الإنسان إذا فكّرَ في أَمرِ نَفسِه في حالِ نَفسِه يَعرفُ أنّه وُجِدَ بَعدَ أن لم يكن مَوجُودًا يَعلَمُ أنّه لم يَخلُق نَفسَه كذلكَ حالُ الأبِ كذلك حالُ الأمّ كذلك حالُ الجدِّ كذلك مَن فَوقهُم كُلّ هؤلاء يَعلَمُون أنهم ما خلَقوا أنفُسَهُمبل خَلَقَهم مَوجُودٌ وهذا الموجودُ لا يجُوز أن يكونَ شَبِيهًا لهذا البَشر ولا شَبِيهًا لهذه الأشياء الأخرى فإذا فكّرَ في ذلك فاهتَدى لمعرفة كمالِ قُدرَة خَالقِه وخَالِق هذه الأشياء يكونُ له بهذا التّفكير ثوابٌ عظِيم، هذا مِن جملَة واجباتِ العَقلِ القَلب، الفؤادِ، ثم مِن جملَةِ واجِباتِ الفؤادِ مَعرفةُ اللهِ لأنّ المعرفةَ مَحلُّها القَلبُ ومعرفةُ رسولِه ومعرفةُ ما فرَضَ الله، الفؤادُ هو محَلُّ المعرفةِ وهذه المعرفَةُ فَرضٌ فرَضَها اللهُ علينا وكذلكَ سائرُ أمورِ الدّين التي فرَض الله تبارك تعالى مَعرفتَها علينا هذا مِن جملة ما فرَضَ الله تعالى على القَلْب أي الفُؤاد، وكذلكَ فرَض الله تعالى على القَلب أن يعمَل ما افترَض الله عليه منَ الطّاعات، منَ العبادات ابتغاءَ وَجْه الله تعالى لا ليَمدحَهُ النّاسُ بل لله تبارك وتعالى أي أنّ الله تعالى أمرَ بهذه الطّاعاتِ، على هذه النّيةِ يَعمَلُ الطّاعاتِ فإذا عملَ هذه الطّاعاتِ على هذا القَصدِ وعلى هذه النّيةِ يكونُ شكَر اللهَ تعالى على هذه النّعمةِ أي نِعْمَةِ القَلْب والعَقْل، كذلكَ اللهُ تبارك وتعالى فرَض على البَدن أي بدَن الإنسانِ واجِباتٍ مِن جمْلتِها هذه الصّلواتُ الخمس، الصّلواتُ الخمس تؤدَّى بالبَدن أي بجسم الإنسان، الإنسانُ يؤدِّيْها بجِسْمِه، وهكذا فرَض اللهُ على اللّسان أن يَنطِق بما أمَر اللهُ به منَ الشّهادَة، النُّطقِ بالشّهادة، بالشّهادةِ لله بالوحدانيةِ والشهادةِ للرّسُلِ بالتّبليغ فَرضٌ في العمر مرَّةً عند الإمام مالك أمّا عند الإمام الشافعي والإمام أحمدَ بنِ حَنبل وكثيرينَ مِن الأئمّة الشّهادتان فرضٌ في كلِّ صلاةٍ، أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدًا رسولُ الله، هذا فرض في كلّ صلاة، هذا من جملة فرائض اللّسان التي فرضَها الله علينا، ثم أيضًا فرضَ علينا أن لا نستَعملَ هذا اللسان في معاصي الله، في ما حرّم الله من الكفريّات القولية وما فيهِ إضرارٌ للمسلم بأخيه المسلم، فرَض اللهُ تعالى على الإنسان أن يَحفظَ لسَانَه عن هذه المعاصي، وفرَض عليه الأمرَ بالمعروف، الأمرُ بالمعروف هو أن يقولَ الإنسان إن كانَ يَرجُو مِن أحدٍ أنه يسمَع كلامَهُ (يا فلان صلّ يا فلان صُم رمضان يا فلان أدِّ حقوقَ الله التي عليك نحوَ أولادِك نحوَ الأطفال نحو الزوجَة نحو الأبوَينِ الفقيرَين، إذا كان للشخص أبوانِ فقيران محتاجَان للنّفقة فرضٌ على الوالد الذكر والأنثى نفقةُ الوالديْن المحتاجَين فإذا رأينا إنسانًا يقصِّرُ في هذا الواجِب وكنّا نَرجو أنه يسمعُ النّصيحةَ فرضٌ علينا أن نقولَ يا فلان أدِّ النّفقةَ التي فرضَ الله ُ عليك لأطفَالِك ولزوجَتِككيفَ تُهملُهم، فَرضٌ علَينا أن نُكلِّمَ هذا الإنسانَ كذلكَ إذا رأينا إنسانًا أهمَل أبويهِ بلا نفقَةٍ فَرضٌ علينا أن نكَلّمَه أن نقولَ له اتّق اللهَ أنفِقْ على أبوَيكَ هذا إن رجَونا أنّ كلامَنا يؤثّر فيه، أما إن علمنا أنه لا يتأثّر إن كلمناه فليس علينا ذَنْبٌ إن سكتنا وهكذا كلُّ ذنبٍ من الذنوب إن علمنا أن هذا الإنسان الذي يرتكب هذا الذنب لا يسمع النّصيحة فليس فرضًا علينا أن نكلّمه، أما إن سكتنا ونحنُ نرجو أنه يسمعُ النّصيحة أن كلاَمنا يؤثّر فيه يكونُ علينا ذنبٌ، عليه ذنبُه وعلينا ذنب السّكوت هذا من جملة ما على اللّسان أن يراعِيَهُ. كذلك اليد عليها واجبات من جُمْلة واجباتِ اليد أن لا يستعملها فيما حرّم الله وأن يستَعْمِلها يما هو طاعةٌ لله تبارك وتعالى، فيما هو فرض فمن رأى منكرًا فإن استطاع أن يُزيله بيده ففرضَ عليه أن يُزيل هذا المنكَر بيده وهكذا سائر الجوارح عليها حقوق لله تبارك وتعالى يجب أن تُؤدَّى هذه الحقوق بهذه الجوارح هذا معنى الشّكر لله ليس معنى الشّكر لله أن يكثر الإنسان الحمدُ لله الشّكرُ لله ويُهمِل أداء هذه الواجبات إنّما الشكرُ الذي هو فرض على الإنسان هو أن يستعمل هذه الأعضاء والجوارح فيما أمر اللهُ به ويمنعَها ويكفَّها عمَّا حرّمالله، هذا هو الشّكر، كثير من الناس لا يفهمون معنى شُكرُ الله يظنّون أن الشّكر هو أن يقول الإنسان الحمدُ لله الشّكر لله هذا غلط، إنما الشُّكرُ هوَ أن يَستعمِلَ النِّعَم الّتي أنعَم الله بها عليهِ مِن نظَرٍ وسمعٍ ويَدٍ ورجْل إلى غَيرِ ذلك فيما يُحِبُّ الله، فيما أمرَ الله، ويحفَظَها عَمّا حرَّم الله هذا هو الشّكر، فالله تبارك وتعالى جعَل جزاءَ الإنسانِ الذي أدَّى شُكرَ الله تبارك وتعالى الذي هو أوّلُه الإيمان بالله ورسوله الذي أرسلَه هذا أولُّ الواجباتِ، وأفضلُ الواجِبات، ثم الصّلواتُ الخمس ثمّ سائرُ ما افتَرض اللهُ على العبادِ بما في ذلك مِن تَعلُّم ما فرَض اللهُ مِن عِلم الدّين الضّروريّ الذي لا يَسْتَغني عنْه أيُّ إنسانٍ بالِغ عاقل، هذا جَعلَ اللهُ مآلَهُ النّعيمَ المقيم الذي جَعَلَه الله تعالى في الجنّة ،أمّا في ما دونَ ذلكَ فالمؤمن التّقيّ عندَ موتِه يُبشَّر تَنـزِل ملائكةٌ كأنّ وجوهَهُم الشّمسُ يُبشّرونه برحمةِ الله تعالى وأنّه لا خَوفٌ عليه بعدَ موته، ليسَ عليهِ خطَرٌ، لا يُصيبُه خطَرٌ بعدَ مَوتِه يُبَشّرونه بذلكَ فيَدْخُل عليه فرَحٌ عظِيمٌ لو كان لسَانُه مِن شِدَّة ألم سكْرةِ الموتِ مُرتَبط، أكثرُ النّاس تَرتبِطُ ألسنتُهم عندَ الموت لأنّ شِدَّة ألم الموتِ الذي يُسمَّى سَكرةَ الموت، سكراتُ الموت شىءٌ شَديد أشَدُّ مِن كُلّ ما يَلقاهُ الإنسانُ قبلَ ذلك مِن أوجاعٍ وأمراض وإنْ كانَ أكثرُ النّاستَرتَبِطُ ألسِنَتُهم لكنّ قلبَه ممتلئٌ فَرحًا، هذا المؤمنُ التّقيُّ الذي جاءه ملائكةُ الرّحمة الذينَ وجُوهُهم بِيضٌ كأنّهم شَمسٌ، هوَ يَراهُم يَجلِسُون منهُ على مَدًى وإن كانَ مَن حَولَه لا يَراهُم هوَ يَراهُم فيَسمَع تَبشِيرَهُم ويَفرَح برؤيَتهم، برؤيتِهم يَدخُل عليه سُرورٌ لا يَعلَمُ مَداه إلا الله، مهما كانَ هو يُقاسِي ألمَ الموتِ يكونُ مَسرورًا ممتلئاسرُورًا، ثم إذا فارقَ الرّوحُ جسَدَه هذه الرُّوح يَصعَدُ بها ملائكةُ الرّحمة إلى السّماء السّابعة ثم في كلّ سماءٍ يُشيِّعُه المقرَّبونَ مِن ملائكةِ تِلكَ السَّماء، السّماواتُ السَّبْعُ كُلُّ سماءٍ لها رئيسٌ مِن الملائكة وتحتَ هذا الرئيس مُقَرَّبُونَ أكابرُ مِن الملائكة، أمّا عامّةُ الملائكة هؤلاء لا يُحْصِي عدَدَهم إلا الله، السّماءُ الأولى والثّانيَة والثالثة والرّابعَة والخامسَة والسّادسة والسّابعة كلُّ هذه السّماوات ما فيها موضِعُ شِبر ولا قدَم ولا مِقدار كفّ إلا وفيه ملَك ساجِدٌ أو راكع أو قائم، أولئكَ يَثبُتونَ على أعمالهم أمّا أولئك المقرَّبون مِن كُلّ سماء مِن وظيفتهم التي أمرهمُ الله بها أن يُشَيّعوا روحَ المؤمن التّقي إذا صَعدَ به أولئك الملائكة الذين استلَمُوا رُوحهُ مِن يَد عزرائيل، الله أمرَهم جَعَل مِن وظِيفَتِهم أن يُشَيّعوا روحَ كُلّ مؤمن تَقي مِن هذه السّماء التي هم فيهاإلى السّماء التي تَلِيهِم وهكذا يتَلقَّى التّبشِيرَ والفرَح والسّرورَ كُلّما أتَى إلى سماءٍ ثم يؤمَرُ هؤلاء الملائكة، ملائكةُ الرّحمة الذينَ صَعِدوا به إلى السّماء السّابعَة بأن يَردُّوه إلى الأرض وأن يوَسَّع لهُ قَبرُه، هذا القبرُ الذي هوَ في نظَر الناس المحجُوبِين مَسافةٌ قَصِيرة، نحوَ أربعَة أذرُع طوْلاً وذِراع عَرْضًا، هذه يُوسِّعها الله على بعض المؤمنينَ سَبعين ذراعًا في سبعينَ ذراعًا، الطّولُ والعَرض سبعينَ ذراع، وعلى بعض المؤمنين يُوسِّعُه اللهُ تعالى مَدَّ البَصر وكُلُّ هذا يراه مَن رفَع اللهُ عنه الحِجابَ مِن أهلِ الأرض مِن الأحياء يرَاه بعَينِه، ثم هذا الإنسانُ لا يحصلُ لهُ في قَبره بعدَ أن يعودَ الرّوحُ إلى الجسدِ أذًى، لا تتَسلَّط عليه حَيّةٌ ولا نَملةٌ ولا شىءٌ من المؤذيَات، ويُملأ قبرُه من رائحَةِ الجنّة وهذه الرائحةُ لَولا أنّ اللهَ يَحجُبُها عن أكثَر البشَر لَشَمُّوها لكنّ الله تعالى قادرٌ على كلِّ شىءٍ يُري هذا الإنسانَ شيئًا في هذا المكانِ ويَحجُب هذا الذي يراهُ هذا عن غَيرِه، ما سمِعتُم أنّه في ليلة القدر في بيتٍ واحدٍ يكونُ جماعةٌ مِن النّاس أحدُهم يَرى ضوءً مَلأ البيتَ والفَضاء يَندَهش يقولُ الآنَ طلَع النّهار، ما هذا الضّوء، والآخَرُون مستَيقظُون لا يرونَ هذا الضّوء وهكذا حالُ القَبر.ثم بعدَ أن يأكلَ التُّرابُ جسَدَه الرُّوح يَأوي إلى الجنّةِ يكونُطَائرًا يَطِيرُ في أشجَار الجنّة، يأكُلُ مِن ثمارِها، لا يَتبَوَّأُ مَقعدَهُ الذي يتَبوّأُه يومَ القيامة، بعدَ الانتهاء منَ الموقف موقفِ يومِ القِيامة يتَبوَّأ ذلك المنـزِلَ الذي هيَّأَهُ اللهُ لهُ، ذلكَ اليوم يتَبوَّأُه، أمّا اليومَ يَطيرُ في أشجار في الجنّة، جَعلَها الله تعالى مُنطَلَقًا لأرواح الأتقياء، يَأكُل مِن ثمارِ تلكَ الأشجَار إلى أن تقُومَ القيامةُ، بعدَ أن تقومَ القيامةُ يعُودُ هذا الرُّوح إلى الجسد الذي أكلَه التُّرابُ في القبر، يُعيْدُ اللهُ هذا الرُّوحَ الذي كانَ في الجنّةِ إلى هذا الجسَدِ الذي أنبَتَه الله تعالى فيَخرُج الرُّوحُ مع الجسَد كما كانَ في الدُّنيا قبلَ أن يُفارقَه، ثم لا يَلقَى يومَ القيامة أَذَى حَرِّ الشّمس، شمسُ ذلكَ اليوم شَديدة الله تعالى يُدْنِيها مِن رؤوس الناسِ لا تَبقَى في مَركزها الذي هي فيه اليوم، ثم هو يكونُ في ظِلِّ العرش لا يُصيبُه مِن حرّ الشّمسِ شَىءٌ، لا يَلحَقُه أذًى بل هو ممتلئٌ سُرورًا إلى أن يَدخُلَ الجنَّةَ فيتَبوّأ منـزلَه الذي كتبَه اللهُ لهُ ثم بعدَ ذلكَ يرَى منَ النّعيم ما أخفاهُ الله تعالى حتّى عن الملائكةِ الذينَ هم خُزَّانُ الجنّة، رئيس ملائكةِ الجنّة يُقال له رِضْوان، حتى هو لا يُطلعُه الله تعالى على هذا النّعيم الذي أعَدّه الله، للصّالحين، للأتقياءِ، للأولياء، إنّما هو يَرى ما سوى ذلكَ منَ النّعِيم الذي يَشتَرك فيه كلُّ مَن دخَلالجنّةَ مِن وَليٍّ وغيرِ وَليّ هذا مآل مَن اتّقَى الله، مآلُ مَن شكَر الله تعالى بأن صرَف نِعَم الله التي أنعَم اللهُ بها عليهِ مِن قلبِه وسائرِ جَوارحِه، العينِ والأذُنِ، واللّسانِ، واليَدِ والرّجْل ومَالِه الذي ملَّكهُ الله تبارك وتعالى فصَرفَه فيما يَحِلُّ وأمسَكَه عمّا حَرَّم الله، هذا جزاءُ المؤمن الشّاكر، هذا مصِيره، وذلك بفَضْلٍ مِن الله تعالى لأنّه هو الذي ألهمَه وقدّرَه أن يَعمَل هذه الحسَنات وأن يحفَظ نَفسَه مِن معاصي الله فالله تعالى هو الذي أنعمَ علَيه بذلك، وأمّا مَن لم يُؤْمن بالله ورسوله فأوّلُ ما يجِدُه في حالِ سكَرات الموت تَأتيْه ملائكةُ العذاب فيَضربُونه مِن أمام ومِن خَلف، هو يَشعُر بذلكَ لكن الذينَ حولَه مِن أهاليْه وأقاربِه وأصدقائه لا يَشعُرون، هو يُقاسِي مِن الألَم ما لا يُوصَف، سَكرَةُ الموتِ يُقاسِي آلامَها وضَرْب ملائكةِ العذاب كذلكَ يُقاسِيْه ثم يُبَشِّرُه عزرائيل بعذابِ اللهِ وسَخَطِه فيَزدادُ غمًّا إلى غَمٍّ، ولو كانَ بإمكانِه أن يَحبِسَ رُوحَه عن الخروج لفَعَل لكنْ ليسَ بإمكانه، أمّا المسلمُ الفاسق الفاجرُ فهو بينَ هؤلاء وبينَ هؤلاء لكنَّ منهم مَن يُسَامحُه الله تعالى فلا يُصِيبُه في قَبره شَىءٌ مِنَ العذابِ لأنّ الله سامحَه بفَضْلِه وكرَمِه ثم الذينَ لم يُسَامِحْهُم يُقاسُونَ شيئًا منَ النّكَد في القَبر ثم في الآخِرة كذلكَ يُقاسُون شيئًا منَ النّكَد ثمّ يُدخِلُهم اللهُ الجنّةَفيَعِيشُونَ في الجنّة في نَعيمٍ لا يَنقَطِع، حَياةٍ لا مَوتَ بَعدَها وشَبابٍ لا هَرَمَ بَعدَهُ ورِزْقٍ لا نَفادَ لهُ وصِحَّةٍ لا سَقَمَ بَعدَها، ثم الله تبارك وتعالى لم يجعلْ في أهلِ الجنّة أعزَب، كلٌّ منهم يُزوّجُه الله أقلُّ ما وَرد في الحديث للمسلم في الجنّةِ زَوجَتان، ثم الله تبارك وتعالى يُطهّرُ قلُوبَهم أي للرجالِ والنّساء منَ الغَيْرةِ والحسَد والحِقْد لا يُوجَدُ في قَلب أيّ إنسانٍ دخَل الجنّةَ غَيْرَة، فالمرأةُ لا تقُول هذا زوجِي لهُ نِساءٌ غَيرِي لا تتَنكَّدُ مِن ذلك ليسَ كحَالَتِهم في الدُّنيا، فالنساء يَسلُبُهنّ الله تبارك وتعالى الغَيْرة لا يَغَرْنَ هناك في الجنّة، ثم أزواجُهنَّ مَن كانَ في الدنيا دَمِيمًا مَن كان في الدُّنيا شَرِسًا سَيِّءَ الخُلُق فلا يكونُ فيه ذلك الشّىءُ الذي هو مكروه، الشّىءَ الذي تكرهه المرأةُ مِن زَوجِها في الدُّنيا لا يكونُ فيه شَىءٌ مِن ذلك، إن كانَ سَيِّءَ الخُلُق في الدُّنيا فإنّ اللهَ تَبارك وتعالى يَجعَلُ خُلُقَه خُلُقًا حسَنًا وشَكْلَه إن كانَ في الدُّنيا دَمِيمًا يَجعَلُه حسَنًا وإنْ كانَ بهِ عَاهَةٌ في الدُّنيا يُزيلُ عنهُ تلكَ العاهةَ، يُخرج الله تبارك وتعالى مِن قلُوبِهم التّبَاغُضَ والتَّحَاسُدَ فلا يكونُ في قلُوبِهم أدنَى تَحاسُدٍ ولا أدنى تبَاغُض، هنا (أي في الدُّنيا) الإنسانُ يَحسُد الإنسانَ إذا كانَ فَوقَه في الرِّزق في المالِ في الصِّحّة، يتنَكَّدُ خَاطِرهُ يقول أنا كيفَ أعِيشُ على هذه الحالِ وفلانٌ يَعِيشُعلى تلكَ العِيْشَة، أمّا هناك يَعلَمُونَ أن بَعضَهم أعلَى مِن بعض، وأنّ بعضَهُم أكثرُ نعيمًا مِن بَعضٍ مع ذلك لا يَحصلُ في قلوبِهم حَسَدٌ لأحدٍ مِن أهلِ الجنّة لماذا لأنّهُ ليسَ هناكَ أحَدٌ يُصِيبُه بؤسٌ أي فَقرٌ ولا مَرَض بل كلٌّ منهُم يجِدُ ما يَشتَهيْه، كُلُّ واحِدٍ منهُم يجِدُ ما يَشتَهِيْه مِن مأكُولٍ ومَشرُوبٍ، وإنْ كانُوا يرَون أنّ مَنازلَ بَعضِهم أعلى مِن مَنازل بَعضٍ، يرَونَ بأعيُنِهم مع ذلكَ لا يحصُل لهم حسَدٌ ولا تَنكُّدُ خَاطر، خَواطرُهم لا تتَنكّدُ بل كلُّ واحِدٍ راضٍ ممتلؤٌ رضًى وسُرورًا بما رَزقَه الله تعالى، وليسَ بالقَليل كُلّ ما يُعطيْه اللهُ تبارك وتعالى لأيّ واحِدٍ مِن أهلِ الجنّة، كلُّ واحِدٍ مِن أهلِ الجنّة يَعيشُ عِيْشَةَ الملوك، ليسَ الإنسانُ هناك يكونُ مُنـزَويًا في قَصره، ليسَ حَولَه موكِبٌ يَأنَسُ بالنّظَر إليهم لا، بل كُلُّ واحِدٍ عندَه عشَرةُ آلافٍ مِنَ الخَدم مِن غَيرِ البشَر لا هُم بشَرٌ ولا هُم جِنٌّ اللهُ تَبارك وتعالى خلقَهُم لِيَسُرُّوا أهلَ الجنّةِ بمنظَرِهم وخِدمَتِهم، كلُّ هؤلاءِ العَشَرة آلاف هُو أقلُّ ما يكونُ للواحِد مِن أهلِ الجنّة كُلُّ واحدٍ مِن هؤلاء العشَرة آلاف بإحدَى يدَيْه صَحْفَةٌ مِن ذهَب وباليَد الأخرى صَحْفَةٌ مِن فضّة يُقَدّمُونَ الطّعام لمخدُومِهم، لهذا الإنسانِ، لذَلكَ اللهُ تبارَك وتعالى قال في القرآن الكريم: ((وَإذا رَأيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نعِيمًا ومُلْكًا كبِيرًا)) وإذا رأيتَ ثَمَّ أي إذا رأيتَ الجنّةَ رأيتَ نَعيمًا ومُلكًا كبِيرًا، أيُّ مَلِكٍ مِن ملُوك الدُّنيا يكونُ حَولَهعشَرةُ آلافِ خَادم كلُّهم كأنّهم لؤلؤ، كُلّ واحِدٍ منهُم كأنّه لؤلؤ مَكنُون يَسُرُّونَ النّظَر، كُلُّ واحِدٍ بإحْدَى يدَيْه صَحْفَةٌ مِن ذهَب وباليَد الأخرى صَحْفَةٌ مِن فضّة، أينَ يُوجَد في ملُوك الدّنيا مَن عندَه هذا العدَدُ منَ الخدَم بهذه الصّورة وبهذا الشكل، لا يوجَد، نَعيمُ الدُّنيا هذه، نعيمُ ملُوكِها ومَن دونهم منَ الأغنياء كلُّ ذلك كلا شَىء بالنّسبة إلى ما يكونُ هناك منَ النّعيم، فأهلُ الجنّةِ لا يُفَكّرُون في أنّه يَلحَقُهم بَعدَ هَذا مَوتٌ ولا هرَم، لا يَلحَقُهم شَيخُوخَةٌ في السّنّ، ولا يَلحَقُهم فَقرٌ لأنهم أوّلَ ما يَدخلُون ويَستقرُّون في الجنّة، الله تعالى يأمُر ملَكًا يُنادي يُسمِعُ جميعَ أهلِ الجنّة يا أَهْلَ الجنّةِ خلُودٌ فلا مَوت يا أهلَ الجنّة إنّ لكُم أن تَحيَوا فلا تمُوتوا أبدًا، يأمَنُون الموتَ، يكونونَ قَد أمِنُوا الموتَ لا يُفَكّرُون في أنّه يَلحَقُهم بعدَ هذه الحياةِ مَوتٌ ويُنادي يا أَهْلَ الجنّة إنّ لكُم أن تَشِبُّوا فلا تَهرمُوا أبدًا، أي أنتم دائمًا شَباب لا يلحَقُكُم هرَمٌ، ولا شَيخُوخَةٌ، فلا يخافُ الإنسانُ هناكَ أنّه بعدَ طُولِ زمَن يَصِيرُ كحَالَتِه في الدُّنيا ضَعيفًا بعدَ أن كانَ نَشيطًا يَحتاج إلى العُكّاز، ويَحتاجُ إلى مَن يُمسِك بيَدِه إذا مشَى، لا يَخافُونَ أمِنُوا كُلَّ هذا، كلَّ هذه المشَقّاتِ أمِنُوا، ويُنادِي هذا الملَك يا أهلَ الجنّةِ إنّ لكُم أن تَنعَمُوا فلا تَبأسُوا أبدًا دائمًا أنتُم في نَعيم، لا ترَونَ البؤسَ أي الفَاقَةوالفقر والضيق لا ترون، فيكونون أمنوا أن يصيبهم فيما بعد ضيقٌ وبُؤسٌ وفاقةٌ وفقرٌ، هنا في الدُّنيا الإنسانُ مَهما كانَ عندَه مالٌ مهما كانَ عندَه مَنازل يتَوقّع أن تحصُل أشياء، يتَوقّع أن يُسلَب مالُه يتوقّعُ أن تأتي مصائبُ ومشَاكل، يتَوقّعُ أن يُسلَب مالُه أو يتلَف مالُه بحريقٍ أو غيرِ ذلك. الآن الأغنياءُ قلُوبهم مُعَذَّبة يُفكّرون بأموالهم، يقولونَ لعَلَّه تَأتيْنا نكَبَاتٌ تُتلِف أموالَنا أو تُتلِفُ نفُوسَنا، يقولُ أحَدُهم لعَلّي أُقتَلُ على مَالي هذا، أمّا في الجنّة لا يُفَكّرُون في هذا أمِنُوا أنّه لا يُصِيبُهم شىءٌ مِن هذه الآفاتِ والنّكَبات والمُلِمَّات، هُم آمِنُون مُطمَئنّون مَسرُورونَ دَائمًا أبَدًا بلا انقطاع، هناك يُوجَدُ تَفاضُلٌ في المنازل مَنازلِ بعضِ أهلِ الجنّة أعْلَى ارتفاعًا مِن مَنازل بَعضٍ، وفي غيرِ ذلكَ دَرجَات لكنّ كُلّ واحدٍ ممتلئٌ سُرورًا يجِدُ ما يَشتَهِيْه لكنّ الله تعالى يخُصُّ الصّالحِينَ الأتقياءَ بنَعِيمٍ خَصَّصَهُ اللهُ تعالى لهم لا يُشَاركهُم فيه غَيرُهم.