قال الله تعالى: “لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا
يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (سورة يونس، الآية 26)،
وروى الحافظ ابن ماجه في سننه عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ تَلاَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ “لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ” وَقَالَ: “إِذَا دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا
أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ
يُنْجِزَكُمُوهُ. فَيَقُولُونَ وَمَا هُوَ؟، أَلَمْ يُثَقِّلِ اللَّهُ
مَوَازِينَنَا وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ
وَيُنْجِنَا مِنَ النَّارِ، قَالَ فَيَكْشِف (أي الله تعالى هو الذي
يكشف) الْحِجَابَ (الذي يحجب أعين المؤمنين عن رؤية الله)، فَيَنْظُرُونَ
إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ
إِلَيْهِم مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلاَ أَقَرَّ لأَعْيُنِهِم”، صدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يدلّ هذا الحديث على صحة مذهب أهل السنة والجماعة من أن المؤمنين يَرَون
الله بلا كيف ولا مكان، وأن ما يكشف عنه الحجاب المعنوي لرؤية الله الذي
ليس كمثله شيء، هو بصر العبد وليس الله تعالى. الله منزه عن أن يكون
مخفياً لأن المخفيّ وراء حجاب يحتاج إلى من يُخفيه، والمحتاج لا يكون
إلهاً ولا خالقاً.
قال الإمام أبو حنيفة (توفي سنة 150 للهجرة) رضي الله عنه في الفقه
الأكبر: “والله تعالى يُرى في الآخرة. يراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين
رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة”.
هذا كلام صريح من أحد أئمة التابعين من أوائل السلف رضي الله عنهم، ينزه
في كلامه ربنا تعالى عن التشبيه والكيفية والكمية والمكان والمسافة.
الكيفية لا تجوز على الله لأن الله خالق الكيفيات والأشكال كلها.
كذلك الكمية والحجم لا يجوزان على الله، سواء القليل أو الكثير منهما، كل
ذلك مخلوق لله وحده لا شريك له، فكلّ ما له حجم أو كمية فهو يحتاج إلى من
جعله على هذا الحجم وهذه الكمية، والله منزه عن ذلك سبحانه، قال الله
تعالى: “وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ” (الرعد، 8).
كلام أئمة السلف واضح في تنزيه الله عن الكيفية والكمية، وحاشاهم أن
يعتقدوا في الله كيفية لا تعرف كما تقول الوهابية.
الوهابية يقولون لله تعالى كيفية لا نعرفها.
كلامهم تشبيه لله بخلقه لأن أكثر المخلوقات لا نعرف كيفيتها بل لا نعرفها أصلاً.
من قال إن الله له كيفية أو شكل أو هيئة أو حد أو صورة لا نعرفها، فإنه
يُشبّه الله تعالى بأكثر المخلوقات لأن ما نعرفه من كيفيات المخلوقات شيء
قليل قليل نسبة إلى ما لا نعرفه.
وصدق أبو حنيفة في كتاب الوصية حيث قال: “ولقاء الله تعالى لأهل الجنة
بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق”، رحمه الله من إمام صدق وتقوى وعلم وعمل
على رأس السلف الصالح نفعنا الله بهم،