قال شيخنا رحمه الله
س: ما معنى خسُوف القَمر وكسُوف الشّمس.
ج: خُسُوف القَمرِ وكسُوفُ الشّمس تَخويفٌ معناهُ يا عِبادَ الله استَعِدّوا للآخِرَة فإنّ الدُّنيا زَوال،استَعِدُّوا للآخِرَة تُوبُوا إلى ربّكُم وتزَوَّدُوا لآخِرَتِكُم هذَا معناهُ. هذَا تَذكيرٌ للعِباد، اللهُ تَبارَك وتَعالى يَفعَلُ ما يَشاءُ مِن غَيرِ أن يُشَاورَ أحَدًا مِن خَلقِه. يُنفّذُ مُرادَاتِه،. في اليَمَن منذُ خَمسِ سنَواتٍ تَقريبًا حَصَل خَسفٌ بعِدّةِ قُرى، بلَعَتْها الأرض، وهذا حصَلَ في ناحِيَةٍ يُقَال لها الذّمار، عِدّةُ بُلدَانٍ بلَعَتْها الأرض، اللهُ تبارك وتَعالى يَفعَلُ ما يُريدُ فالعبادُ مَطلُوبٌ منهم أن يكونُوا متَأَهّبينَ تائبِينَ، مُتَأهّبِينَ للآخِرَة تائبِينَ إلى الله، لأنّ الذي يكونُ على استِعدادٍ على التّوبَة وعلى الصّبر يُوَطِّنُ نَفسَه على الصّبر على الضَّرّاء والسَّراء، في حالِ الفَرح والرّخاء يُطِيعُ ربَّه، يتَجَنَّب معاصيَه وفي حالِ الحُزْن والضّيق والشّدّة والبلاءِ والمصائبِ كذلكَ لا تَسُوقُه هذه إلى إضَاعَةِ فرائضِ الله تَعالى وإلى ارتكابِ ما حرَّم اللهُ تَبارك وتَعالى هؤلاء عبادُ الله على أيّ حَالٍ كانوا هُم في خَيرٍ لأنّ اللهَ رَاضٍ عنهم ((والصَّابِرِينَ في البَأْسَاءِ والضَّرَّاء)) الله تبارك وتَعالى هكذا قال ((وَحِيْنَ البَأس)) أي وعندَ الحَرْب أيضًا، في الأحوالِ الثّلاثةِ المؤمنُ الذي أرادَ اللهُ به الخيرَ والنّجاةَ في الآخِرة يكونُ صَابرًا في حالِ الرّخاء يَمنَعُ نَفسَه عن المحَرّمَات في حَال الرّخاء لأنّ الغِنى يُطْغِي كثيرًا مِنَ الخَلْق، قَلِيلٌ مَن يَغْنَى ثم لا يكونُ فَاجرًا، الأغنياءُ أغلَبُهم فُجَّار ولا سِيَّما في هذَا العصرِ قَد يَكونُ أحَدُهم لهُ زَوجَةٌ واحِدة بحَسب الظّاهر ثم يَفتَح بَيتًا سِرًّا للحَرام وزَوجتُه لا تَدري، أو يُسَافر إلى الخارج ليَفجُرَ، ولمّا كانُوا فُقراءَ ما كانُوا بهذه الحالِ إنما الغِنى أطْغَاهُم، فالعَبدُ المؤمِنُ التّقيّ الذي هو مُستَعِدّ لآخِرَتِه حَذِرٌ عَذابَ اللهِ وسَخَطَ الله، في الحَالَين يَحفَظُ نَفسَه إنْ أغنَاهُ اللهُ بالحَلالِ يَحفَظُ نَفسَه وإنْ أَفقَرَهُ اللهُ يَحفَظُ نَفسَه، لا يَسُوقُه الغِنى إلى الطّغيان ولا الفَقرُ إلى الفسَاد والكُفر، في الحالَين يكونُ مُطِيعًا لربّه تبارك وتَعالى هذه أحسَن حالات الإِنسان، أن يكون شاكرًا لله في حالِ الرّخاءِ وفي حالِ الشّدّة، طائعًا للهِ تبارك وتَعالى في الحَالَين، ولا يَغترَّ بكَثرةِ المال، ولا يَنظُر إلى مَن هوَ فَوقَهُ بالنّسبَة لأمور الدّنيا، لا يَنظُر إلى مَن هو أفضَلُ منهُ مِن حيثُ المال والغِنى ومِن حيثُ صِحّةُ الجِسم ونشَاطِه، يَنظُر إلى مَن هو دُونَه يَنظُر إلى أهل البَلاء يَنظُر إلى مَن هو أفقَر منهُ ويَنظُر إلى مَن هوَ أضعَفُ صِحّةً ونَشَاطًا منهُ بالنّسبَة لأمور الدّنيا حتى يَشكُرَ الله تبارك وتَعالى لأنّه إذا نظَر إلى أولئك الذينَ هم أفضَلُ منهُ مِن حيثُ المال ومِن حيثُ الصّحّةُ وقُوّةُ الجسَد يُحَاول أن يكونَ مِثلَ أولئك فيَطلُب المال بطَريق الحرام مِن غَيرِ تَميِيز، يكونُ هَمُّه تَحصيلُ المال وجَمعُه حتى يَصيرَ مِثلَ أولئكَ الذينَ يَنظُر إليهم ويَشغَلُ فِكْرَهُ بهم،. هذه الحَالَة التي يَنبَغِي للمؤمنِ أن يَلتَزِمَها بل هذَا الإِنسانُ هوَ العَاقلُ لأنّ الذينَ يَنظُرون إلى الغِنى قَد يَجمَعُ أحَدُهم هذَا المالَ ويَتركُه لعَدُوّه “*يَقْصِدهُ*” الموتُ فيَبقَى هذَا المالُ لمن هوَ عَدُوٌّ له، يتَمتّع بهِ ذاك، هذَا تَعِبَ في جَمعِه فجَمعَه لذاكَ الذي هو عَدوُّه، يموتُ هذَا فجأةً أو يَصِيرُ هَرْجٌ أي قَتلٌ كَثرَةُ قَتلٍ مثلَ هذَا الزّمَن يُفَارقُ ذلكَ المال الذي جمَعَه فيتَمتّعُ بهِ غَيرُه لذلكَ سيّدُنا عليّ رَضي الله عنه قال “*الدُّنيا حَلالُها حِسابٌ وحَرامُها عِقَاب*” حَلالها حِسابٌ معناهُ أنّ الإِنسانَ يُسألُ عن المال الحَلال الذي دخَل عليه في الدُّنيا، يُسأَل مِن أينَ أخَذْتَ هذَا المالَ فإن كانَ أخَذَه مِن حَلالٍ نجَا ومَا عليه عقُوبَةٌ ما عليهِ مؤاخَذةٌ بالنّسبَة لهذا المال الذي جمَعَه في الدُّنيا لأنّه جمَعهُ مِن حلال، وإن كَانَ جمَعَه مِن حَرام يُعَاقَب لو صَرف هذَا المالَ الذي جمعَهُ مِن حَرام في طُرُقِ الخَير كأنْ يتَصَدّقَ بهِ ويَبني به جَامعًا يَستحِقُّ العَذابَ في الآخِرَة لأنّه جمَع المالَ مِن حرام، إنما السّالم المؤمنُ الذي اتّقَى اللهَ تَعالى وجمَع ما وصَل إليه مِنَ المالِ بطَريقٍ حَلالٍ فصَرفَه في طَريقٍ مُباح أي غيرِ محرَّم، هذَا السّالمُ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلم قال “أوّلُ ما يُسأَلُ عنهُ العَبدُ يومَ القيامةِ أَلَم أُصِحَّ جِسْمَك وَأُرْوِكَ مِنَ المَاءِ البَارِد*رواه الطبراني” أولُ سؤالٍ يَسألُ اللهَ تَعالى العبدَ هذَا هوَ “*ألم أُصِحَّ جِسمَكَ*” أي ألم أَرزُقْكَ صِحّةً في جِسمِك، يومَ القيامةِ العِبادُ يَسمَعُونَ كلامَ الله، المؤمنُ والكافرُ يَسمَعُ كلامَ الله تَعالى الذي لا يُشبِهُ كَلامَ العالَمِينليس بحرف ولا صوت ولا لغة العباد يوم القيامة يسمعونه فيفهمون منه ألم أُصِحَّ جِسمَك أي ما رَزقتُكَ صِحّةً في جِسمِك تَستَطِيعُ أن تؤدّيَ بها ما فَرضتُ عليكَ وأُرْوِكَ منَ الماءِ البارد، فإذا كانَ يُسألُ عن الماءِ البارد فكيفَ هؤلاء الذينَ يَجمَعُونَ الملايين، أليسَ يَستَحِقُّونَ السؤالَ الأكبر، لأنّ هذَا كُلَّه مِن نِعَم الله، صحّةُ الجِسم مِن نِعَم الله كذلكَ الماءُ الباردُ العَذْبُ الذي نَشرَبُه نِعمَةٌ منَ الله تَعالى، الله تَعالى هو خلقَه لولا أنّه خلَقَه مِن أينَ نَأتي به، ((قل أرأَيتُم إنْ أصبَح مَاؤكُم غَورًا فمَن يَأتِيْكُم بمَاءٍ مَعِين)) لا أحَد يَستَطِيع أن يَخلُقَ هذَا الماءَ إلا الله،(غَوْرًا أيغَائراً ذاهِبًا في الأرض لا تنَالُه الدّلاءُ).