قال شيخنا رحمه الله
الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرّ الرَّحيم والملائكة المقرّبين على سيّدنا محمَّد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه النبيّين آدمَ ونوحٍ وإبراهيمَ وموسَى وعيسَى ومَن بَينَهم وسلامُ اللهِ علَيهم أجمعين أمّا بَعدُ فقد قال الإمام أبو جَعفر الطّحاوي رحمه الله في كتابه بيانُ عقيدةِ أهلِ السُّنَّة أي عقيدةِ جميع الصّحابة والتّابعِين وأتباع التّابعِين ومَن تبِعَهُم بإحسان “دِينُ اللهِ واحِدٌ في الأرضِ والسَّماء وهو دينُ الإسلام” المعنى أنّ اللهَ تبارك وتَعالى لم يَرضَ دِينًا لأهل السّماء أي الملائكةِ وأهلِ الأرض أي البشَر والجِنّ إلاّ دِينَ الإسلام، ما ارتَضى لهم دِينًا سِوى الإسلام، فهو دينُ الله الذي ارتَضاه وأمرَ بهِ أهلَ السّماء الملائكة وأهلَ الأرض الجنَّ والإنس، لا دِينَ صَحيحٌ غَيرُه، فبمعنى الدّين الصّحيح لا يُقال لغَير الإسلام دِين أمّا إذا أُريد به أنّه يَدِيْنُ به بَعضُ الخَلق فيُقال دِينُ النّصرانيّة ودِينُ اليَهوديّة ودين المجوسيّة ودِين البوذيّة لا بمعنى أنها حَقٌّ وصِدْق وصَحِيح لا، بل بمعنى أنّ بعضَ البشَر يَدينُ بها أمّا الدِّينُ بمعنى الدِّين المقبول عندَ اللهِ فلَيس هناك دِينانِ إلا دِينٌ واحِد هوَ الإسلام هو الذي ارتَضاهُ اللهُ لأهلِ السّماءِ الملائكة وأهلِ الأرض مِن آدَم فمَن بَعْدَه بالنّسبَة للبشَر، كذلكَ لم يَرتَضِ اللهُ دِينًا للجِنِّ سوى الإسلام، ما ارتَضى الله تَعالى دينًا لأهلِ السّماء والأرض إلا دِينَ الإسلام وهذا معنى قول الله تَعالى ((إنّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسلام)) إنّ الدِّينَ أي الدِّينَ الصّحِيحَ الذي ارتَضاه اللهُ لعِبادِه “عندَ الله” الإسلام لا غَير، تلكَ الأديانُ التي هيَ سِوى دينِ الإسلام هيَ أَديانٌ باطِلَةٌ وعلى هذَا المعنى قولُ الله تبارك وتَعالى في سورة الكافرون ((قُل يا أيّها الكافِرُونَ لا أعْبُدُ ما تَعبُدونَ ولا أَنتُم عَابدُونَ ما أعبُد ولا أنا عابِدٌ ما عبَدتُم ولا أنتُم عابدُونَ ما أَعبُد لكُم دِينُكُم وَليَ دِين))، كان المشركونَ أهلُ بلَدِه أهلُ مَكّة قَبلَ أن يَفتَح رسولُ الله مكّةَ وقَبلَ أن يَدخُلوا في دِينِ الإسلام لما كانوا على عبادَةِ الأوثان قالوا لهُ يا محمدُ نحنُ وإيّاكَ نتَّفِقُ على شَىء وهو أن تَعبُدَ سَنةً ما نَعبُده نحنُ منَ الأوثان ثم نحنُ نَعبُد إلهكَ اللهَ سنَةً فأنزلَ اللهُ هذه السّورة، معنى السّورةِ الآنَ وفيما بَعدُ أنا لا أعبُد ما تَعبُدونَ مِن الأوثان أنا لا أعبُدُ إلا اللهَ الآنَ ، أبدًا لا أعبُد غَيرَه،أَبطَل كلامَهُم، الرَّسولُ أبطلَ علَيهم ما حَاولوا منه، أمّا قولُه تَعالى((لكُم دِينُكُم)) أي لكُم دِينُكُم الباطِل ((وليَ دِين)) معناهُ ولِيَ دِيْني ياءُ الإضَافةِ مُقَدّرَة، ولي دِيْني أنا ليْ دِيْني الذي هو صَحِيح، هوَ الحقّ الإسلام، أمّا أنتُم لكم دِينُكم الباطلُ الذي لا أرضاهُ هذَا مَعناه. إذا قالَ قائلٌ عن أيّ دِين مِنَ الأديان دِينٌ بمعنى أنّهُ شَىءٌ حَقٌّ صَحِيحٌ يَكفُر. أمّا إذا قال بمعنى أنّ هذَا يَدِيْنُ بهِ بَعضُ البشَر لا يَكفُر، إذا قصَد أنّ النّصَارى تَدِيْنُ بالنّصرانيّة فقال دِينُهم لا يَكفُر كما قال الله تَعالى في هذه السّورة لكُم دِينكُم، المعنى أنّكم تَدِينُون بهذا الدِّين، بهذا المعنى إذا قالَ عن دِينٍ غَيرِ الإسلام دِينُكم لا يَكفر، أو قالَ دِينُ النّصرانيّة أو قال الأديان بمعنى الأديان الباطِلَة لا بمعنى الدّين الصحيح، بمعنى الدّين الصّحيح لا يُقال لغَير الإسلام دِين. وقولُ الله تَعالى: ((إنّ الدِّين عندَ اللهِ الإسلام)) معناهُ الدِّينُ المقبُولُ عندَ الله هو الإسلام، الدِّينُ الذي ارتَضاه اللهُ لعبادِه الملائكة أهلِ السّماواتِ وأهلِ الأرض هو الإسلام، الملائكةُ لم يَعبُدوا غيرَ الله قَطّ لم يَعبُدوا إلاّ اللهَ لأنهم خُلِقوا لأن يَكُونوا كلّهم طائعينَ لا يَعصُونَ الله، أمّا البشَرُ فالله تبارك وتَعالى خلقَهم ليَأمُرهم بعبادَته ثم منهم مَن أطاعَ أمرَهُ فعبَد اللهَ ولم يَعبُد غَيرَه ومنهُم مَن لم يُطع اللهَ فعَبد غيرَ الله. البشَرُ قِسمان والجِنُّ قِسمانِ منهُم مَن أطَاعَ اللهَ فعبَدَه ولم يَعبُد غيرَه ومنهُم مَن عصَى اللهَ وعبدَ غيرَه. الجنُّ مؤمِنُهم وكافِرُهم مِن ذُرّية إبليس، إبليسُ هوَ أوّلُ فَردٍ مِنَ النّوع الجنّي، كافرُهم للجِنّ يُقَال له شَيطان، أمّا الذي بقِيَ على دِينِ الإسلام يُقالُ لهُ مؤمِنُ الجِنّ. على معنى الدِّين المقبولِ ليسَ هناك دِينٌ يُقال له دِينٌ إلا دِين الإسلام. وقولُ الله تبارك وتَعالى: ((إنّ الدّينَ عندَ اللهِ الإسلام)) ليسَ معناهُ أنّه لا يُطلَق لفظُ الدِّين على غَيرِ الإسلام إنّما معناهُ أنّه لا دِينَ مَقبولٌ عندَ اللهِ لا دِينَ صَحِيحٌ إلا الإسلام، لا دِينَ مَرضِيٌّ عند اللهِ إلا الإسلام.الملائكةُ بما أنَّهُم يُخلَقُونَ مِن أَوَّلِ خِلقَتِهم عارفِينَ بالله لا يَحتَاجُونَ إلى مَن يُعَلّمُهم أن اللهَ مَوجُودٌ وأنّه لا يُشبِه شَيئًا لأنّ اللهَ ركّبَ فيهم هذه المعرفةَ مِن أوّلِ خِلقَتِهم. ما خلَقَهم كالبشَر البشَرُ لمّا يَخرجُون مِن بطُونِ أُمّهَاتِهم لا يَعلَمُونَ شَيئًا بعدَ ذلكَ يُعطِيهم اللهُ مَعلُومات، والجنُّ يقولُ بعضُ العُلَماء “*ليسَ في حديثِ رسولِ الله*” إنّما كَلامُ بعضِ العلماءِ الجِنُّ بمجرّد ما يخلقون يَعرفون ليْسُوا كالبشر، عقُولُهم تكونُ مَعهم مِن أول ما يخلقون هذا كلام بعض العلماء وليس من كلام رسول الله فعلى قولِ هؤلاءِ العلَماء الجِنُّ مكَلَّفونَ مِن أصلِ الخِلْقَة، أوّلَ ما يُخلَقُون فهم مُكَلَّفون، هكَذا قالَ بعضُ الفقَهاء، لكن هذَا ليسَ قَولا مَجزُومًا به، يجوزُ أن يكونَ أطفالُهم أولَ ما يُولَدُونَ إلى مُدّةٍ مِن الزّمن لا يَعلَمُون شيئًا كالبشر. ثم إنّ الله تبارك وتَعالى بما أنّه أرادَ بالبشر خيرًا ومَقامًا عاليًا جعَلَ أوّلَ رسول أوّل البشر وهو آدمُ عليه السَّلام، لماذا، لأنّه لو جاءَ آدمُ النَّسلَ والذّرّية وليسَ يَأتيْه وَحيٌ مِن الله لعَاش البشر ذرِّيّتُه كالبهائم لكن بما أنّ اللهَ شاءَ لهم للبشر المنـزلةَ العاليَة، وهو عالم في الأزل بأنّ منهُم أنبياءَ آدمَ فمَن دُونَه، فمن بَعده، لذلك الله تَعالى جعَل أوّلَ فَردٍ منَ النّوع البشَري وهو آدم نبيًّا رسولاً. وكانَ يُعَلّم آدم أولاده لما جاءتْه ذُرّيته كان يُعلّمُهم أمورَ الدِّين التّوحيد، أنّ اللهَ مَوجُودٌ وأنه لا خالقَ إلا هوَ وأنّه قادرٌ على كُلّ شىء، وأنّه لا يَدخُل في الوجود شَىء مِن حركاتِ العباد وسكُونهم وخواطرِ قلُوبهم إلاّ بمشيئة الله الأزليّة وعلّمَهم أنّ الله تبارك وتَعالى أزلي لا ابتداء لوجودِه وأنّ عِلمَه لا ابتداءَ لوجوده وقدرتَه وإرادتَه أي مشيئتَه لا ابتداءَ لوجودها، الله تَعالى لا يتَجَدّد له صِفَةٌ جَديدة، الله تَعالى لا يتجَّدد له عِلمٌ جَديد هو عالم في الأزل بكلّ شىء مما حَدث إلى الآن وبما يحدثُ بعدَ الآن إلى ما لا نهاية له، حتى أنفاسُ أهل الجنَّة في الجنَّة الله علم بها في الأزل جُملةً وتفصيلاً وكذلك أنفاسُ أهلِ النار وهم في النار في الآخرة الله تَعالى علم بها في الأزل جملةٍ وتَفصيلاً، فالحاصل أن الله تبارك وتَعالى ليسَ مثلَ الخلق، نحن لم نكن ثمَّ كُنَّا فلذلك تَحدث فينا أمورٌ لم تكن ثم كانت، لم يكن لنا عِلمٌ أوّلَ ما خَرجنا مِن بطون أُمّهاتنا، نحن لم نكن فعِلْمُنا لم يكن في الأزل إنما حدَث على حسب مشيئة الله كذلك قدرتُنا حادثة وكذلك مشيئتُنا حادثة وكذلك كلَامُنا حادث،.المائةُ سنة الأولى الهجرية هي قَرن الرَّسول وأصحابه لأنّ آخِر واحدٍ ماتَ مِن أصحاب الرَّسول سنة مائةٍ أبو الطُّفَيل عامرُ بنُ واثِلَة. بعدَ ذلك قرنُ التابعِين وبعد ذلك قرن أتباع التابعين، المائة الثلاثة الأولى أولئكَ أفضَلُ هذه الأمة نحنُ لَسْنا مِثلَهُم، أولئك كانَ فيهم تعَاطُفٌ وإيثار وتَعاضد وتعَاون لتأييد دين الله تبارك وتَعالى، ما كانَ دخَلَهم الشَّرَه في كَثرة الأكل في كثرة جمع المالِ في خُلْفِ الوَعْد وإضاعةِ الأمانة، أولئك الرَّسول فضّلهم قال“*خيرُ القُرُوْنِ قرني ثمَّ الذين يلُونهم ثم الذينَ يَلُونهم*” قال “*ثم يَفْشُو الكَذِب*” يعني النَّاسُ الذينَ يَأتُونَ بعدَ ذلكَ يَفْشُو الكَذِبُ فيهم.