روى البخاري في صحيحه عن ﻣﺠﺎﻫﺪ رضي الله عنه قال: “ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻌﻠﻢ مستح ﻭﻻ
ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ”، ﻭﻗﺎﻟﺖ أم المؤمنين ﻋﺎﺋﺸﺔ رضي الله عنها: “ﻧِﻌﻢَ اﻟﻨﺴﺎءُ ﻧﺴﺎءُ
اﻷﻧﺼﺎﺭ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻬﻦ اﻟﺤﻴﺎء ﺃﻥ ﻳﺘﻔﻘﻬﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ”.
النّساءُ الأُوَل اللاّتي كُنّ في زمَن الرَّسول صلى الله عليه وسلم
كُنَّ يَعتَنِينَ بتَعلُّم أحكام الطّهارة.
قالت أمُّ سُلَيم رضي الله عنها: “يا رسولَ اللهِ إنّ اللهَ لا يَستَحِي
مِنَ الحَقّ، هَل على المرأةِ مِن غُسْلٍ إذا هِيَ احْتَلَمَت؟”.
معنى سؤالها أنه إذا رأت المرأة في المنام ما يَراهُ الرّجالُ في منامهم
من الاحتلام، اي انزال المني، فهل علَيها غُسلٌ من الجنابة؟
فقال لها الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم “نَعم إذا رأت الماء” رواه البخاري ومسلم.
معناه إنْ وجَدَت المنيّ، أي إن علِمَت بخُروج المنيّ منها فمفروضٌ عليها
أن تَغتَسِل.
ومَفهومُ الحديث كذلك أنّه إذا وجَدَت في المنام مُداعَبة مثلاً ولم
يَنـزل منها شَيءٌ مِنَ المنيّ فليسَ علَيها غُسْل، اي ما لم تتيقن من
نفسها انها انزلت المني، فلا يجب عليها الغسل.
بعضُ الصّحَابيّات اللاّتي كُنَّ عندَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم تلكَ
السّاعةَ كأنّها ما كانَت تَستَشعِرُ مِن نَفسِها أنها وغيرها مِنَ
النّساءِ يَنـزل منهُنّ مَني، فسألتِ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم
فأجابها: “مِمّ يَكُوْنُ الشّبَه” رواه البخاري ومسلم.
معناهُ الولَدُ كيفَ يُشبهُ الأمَّ أحيانًا لَولا أنّ النّساءَ يَخرج
منهن المني، يَنـزل مِنهُنَّ المني حين الجماع. لولا ذلك ما كانَ يُشبِهُ
الولدُ الأمَّ في بعضِ الحالات.
الولَدَ إمّا أن يُشبِه الأَبَ وإمّا أن يُشبِهَ الأُمَّ، فشَبَهُ
الولَدِ الأمَّ في بعضِ الحَالاتِ دَليلٌ على أنّ النّساءَ يَنـزلُ
مِنهُنَّ المنيُّ كمَا أنّ الرّجالَ يَخرُج منهُمُ المنيّ، هذا الأَمرٌ
يَشتَركُ فيهِ الرّجَالُ والنّساءُ، هذَا تفسيرُ الحَديث.
أم سليم لها هِمّةٌ عاليَةٌ في تَعلُّمِ الدّين فسَأَلت هذَا السؤَالَ،
ما سأَلَت واحِدَةً مِن نسَاء الرَّسولِ بل وجّهَت السؤالَ إلى الرَّسول
صلى الله عليه وسلم.
هذَا يَدُلُّ على عُلُوِّ هِمَّتِها، على أنّها كثِيرةُ الاعتِناءِ
بالدّين لأنّ الحَياءَ ما مَنَعَها.
الاستِحْياءُ لم يمنَعها من أن تَسألَ الرَّسولَ مُشَافَهةً هذَا السّؤال
امام الناس.
أمّا هؤلاء النّسوة اللواتي يَمنَعُهُنّ الحياءُ فيَمُتنَ ولم يتَعلّمْن
أحكامَ الحَيض
ولا أحكامَ النّفاس ولا أحكامَ الاحتلام، هؤلاءِ يَستَحقِقنَ الوَيلَ
الشّديد لأنهن قصّرن في ما أوجب الله عليهن وكان الأولى بهن الاستحياء من
الخالق بدلاً من الاستحياء من المخلوق، والأخير حياء مذموم في غير محله
لأنه منعهن من معرفة حقوق الله عليهن.