قال شيخنا رحمه الله
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ لهُ النّعمةُ ولهُ الفَضل ولهُ الثّناءُ الحسَن صلَواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائكةِ المقرّبين على سيّدِنا محمَّدٍ أشرف المرسلينَ وعلى جميع إخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسَلِينَ وآلِ كُلٍّ والصّالحِينَ وسَلامُ اللهِ علَيهم أجمعين، أهمُّ الأمور وأوْلاَها للمحَافظةِ عليها الثّباتُ على الإسلام فمَن آمن بالله ورسوله وثبَت على الإسلام أي تجنّبَ الكفر، مهما تخبَّط في المعاصي لكنه تجَنّب الكفرَ القوليَّ والفِعليَّ والاعتقاديَّ حتى ماتَ وهوَ على هذه الحال فإنَّه إمَّا أن يُسلِّمَه الله تَعالى في القَبر منَ النّكَد وفي الآخرة منَ العذاب ويُدخِلَه الجنَّة وإمّا أن يُعَذّبَه بذنوبه التي لم يتُب منها قبلَ مَوتِه ثم يُخرجُه منَ العَذاب ويُدخلَه الجنَّة، بعدَ دخولِ الجنَّة لا يَرى شيئًا منَ النّكَد كغَيره منَ الذينَ دخَلُوا الجنَّة بلا عذاب، إنّما الوَيلُ كلُّ الويل لمن يموتَ كافرًا.الكفرُ أنواعٌ ليسَ صِنفًا واحدًا أحيانًا يَخرُج الإِنسان منَ الإسلام وهو يظُنُّ أنّهُ ما خَرج منَ الإسلام لكنّه يَعرف نَفسَه أنّه كافر عندَ الموت عندَما يأتيْه ملائكةُ العذاب الذينَ وُكِّلُوا بمن يمُوت على غيرِ الإسلام، ليَأخذُوا رُوحَه بعدَ أن يُبَشّروهُ بعَذاب الله تَعالى، هوَ يَسمَعُ والنّاسُ الذينَ حَولَه لا يَسمَعُون، أولئكَ الملائكةُ اللهُ تَعالى جَعلَ لهم عَلامةً على مَن يمُوتُ مؤمنًا وعلى مَن يموتُ كافرًا أمّا هذَا البشَرُ أي نحنُ يَخفَى علينا حالُ كثِيرٍ منَ النّبيّ، قَد نَظُنُّ الشّخصَ مُسلمًا وهو عندَ اللهِ كافر، أمّا الملائكةُ يَعرفونَ اللهَ تَعالى يَجعَلُ لهم علامةً فإذا احتُضِرَ شَخصٌ أي كانَ في سَكَراتِ الموت يأتُونَهُ أولئكَ الذينَ جَعلَهمُ اللهُ تَعالى موظّفِينَ على حضُورِ مَن يَموتُ على الكفر، هؤلاء يَستلِمُونَ الرُّوحَ مِن يدِ عَزرائيلَ فورًا، كثيرٌ منَ النَّاس فيما يَرى النَّاسُ مسلمُونَ لكنّهم في قلُوبِهم شَكٌّ لا يَجزِمُونَ جَزمًا قَاطعًا بأنّ الإسلام حقٌّ وأنّ كُلَّ ما جاءَ عن سيّدنا محمَّدٍ حَقٌّ، هؤلاء يتَبيّنُ ويَظهَرُ أمرُهم للملائكةِ أمّا نحنُ لا نَطّلعُ بالنّسبَة لكُلّ إنسان، كثيرٌ منَ النَّاس الذينَ هُم ظَاهرًا مع المسلمينَ يَقرأون القُرآنَ ويقولونَ ما نقُولُه لكن في نفُوسِهم شَكٌّ، هل ما يقُولُه دِينُ الإسلام صحِيحٌ أم لا، هؤلاء كفّارٌ عندَ الله إذا لم يُذهب اللهُ عنهم هذَا الشَّكَّ مِن نفُوسِهم قَبلَ الموتِ قَبلَ الغَرْغَرَةِ قَبلَ أن تَصِلَ الرُّوحُ إلى مَوضِع الغَرغَرة، لأنّ بَعضَ النَّاس يَكونُونَ في حالِ صِحّتِهِم غَيرَ جَازمِينَ بصِحّةِ الإسلام لكن عندَ الغَرغَرة لما يأتي ملائكةُ العَذاب ويتَبَينُ لهم أنّ الدِّينَ الصّحيحَ هو الإسلام فيزولُ عنهم ذلكَ الشّك لكن لا يَنفَعُهم تلكَ السّاعةَ بعدَ أن تَصِلَ الرُّوحُ إلى الحُلْقُوم لا يَنفَعُه إذا صَحَّحَ اعتقادَه، إنّما تَصحِيحُ الاعتقادِ قَبلَ ذلكَ، قبلَ أن يَرى عزرائيلَ فيبشِّرَهُ بالعَذاب، وقبلَ أن يَرى ملائكةَ العَذاب الذينَ يَأتُونَ فيَضربُونَه مِن قُدّام ومِن خَلف، يَضربُونَه وهو يُحِسُّ أمّا النَّاسُ الذينَ حَولَهُ لا يُحِسُّون، تلكَ السّاعةَ لو أيقنَ وقال الإسلامُ هوَ حَقٌّ أنا كنتُ تَاركًا ناهِيًا عن الحقيقةِ، تلكَ السّاعةَ اعتقادُه لا ينفَعُه، الإيمانُ يَنفَعُ قبلَ تلكَ السَّاعة، كثيرٌ منَ النَّاس يُرَونَ بعدَ مَوتهِم على حالةٍ سَيّئة، هؤلاء إمّا أن يكونوا مِن هؤلاء النَّاس الذينَ ما كانوا يعتَقدونَ اعتقادًا جازمًا بأنَّ الإسلامَ حقٌّ بل كانَ في نفُوسِهم شَكٌّ وتَردُّدٌ هل صحِيحٌ ما يقُولُه الإسلامُ مِن أنّ الذي لا يؤمنُ بالإسلام يكونُ مِن أهل النّار وأنّ الذي يؤمِن بالإسلام ويتبَعُه يكونُ مِن أهلِ الجنَّة، هل صحيحٌ أم غيرُ صحِيح، بعض النَّاس لهذا السّبَب تكونُ حالَتُهم سيّئة، ذكَر لي شَخصٌ مِن أهل المدينةِ يُقال لهُ عبد الرَّحمٰن كَعكي قال حدّثني رجُلٌ مِن أهلِ يَنْبُع وهيَ تَبعُدُ عن المدينةِ أكثرَ مِن مائةِ كيلومتر قالَ ماتَ رجُلٌ في ناحيَةِ يَنبُع فحُفِرَ لهُ قَبرٌ فوَجَدوا فيه حيّةً غَريبةَ الشّكلِ ثمّ تَركُوا هذَا القَبرَ وفتَحُوا قبرًا آخرَ فوجَدُوها ثمّ ترَكوا هذَا فحَفَروا قبرًا ثالثًا فوجَدُوها، هيَ بعَينِها وجَدُوها، قال فخِفنا مِن أمرِ هذَا الرّجُل فدَفَنّاه، وضَعناهُ في هذَا القَبرِ وانْصَرفْنا عنه. هذَا قَد يكونُ مِن هؤلاء الذينَ ليسَ فيهم اعتقادٌ صَحيحٌ في صحّة الإسلام أو يكونُ مِن الذين يعتقدونَ في الله أنّه مثلُ الضّوء، كُتلَةٌ نُورانيّةٌ، أو أنّهُ مِثلُ البشَر، أو غَيرُ ذلكَ مِن أنواع فسَادِ العقِيدة، فاللهُ تَبارك وتَعالى يُرِي بعضَ عبادِه شِيئًا فيهِ عِبْرةٌ كهذا الثّعبان الذي رآه هؤلاء أو غَيرُ ذلكَ مِن العلاماتِ التي تَدلُّ على أنّ هذَا الإِنسانَ ما ماتَ على حَالةٍ طيِّبةٍ، أي أنّه ماتَ على غيرِ الإسلام، وبعضُ النَّاس مِن غيرِ أن يكونوا كافرينَ لكنّهم غارقونَ في المعاصي، في الرّبا وتَرك الصّلاةِ ونحوِ ذلك هؤلاء أيضًا يُرَى عليهم علامةٌ سَيّئةٌ بعدَ دَفنِهم، رجلٌ في ناحيةٍ قَريبةٍ مِن ناحِيَتِنا كانَ متَجبّرًا ويُوزّع أموالَه بالرّبا للنّاس، كانَ مُرابيًا وكانَ أيضًا غنيًّا جِدًّا وكانَ يَعتدي على النَّاس حتّى إنّه مرّةً وهو سَائرٌ في موكَبٍ أي حَولَه حاشيَة فرأى امرأةً جميلةً فعلِقَت نَفسُه بها فأخذها قهرًا وهي امرأةُ رجُل فقير ضعِيف الحال، أخذَها قهرًا وذهَب بها، له خدَمٌ يُطِيعُونَه في المعاصي لأنّه غَنيّ، هذَا الرجلُ لمّا توفّي ما كانَ يُعرَف منهُ كُفرٌ لكن يُعرَف منه أنّه يَأكُلُ الرّبا، يُوزّع المالَ بالرّبا وفعَلَ هذه الفِعلَة الخَبِيثةَ قَهرَ امرأةَ رجُلٍ مسلم، الله أعلمُ بجَميع أحوالِه لكنّه كانَ معروفًا بأكلِ الرّبا، يُوزّع مالَه بالرّبا ثم يتَقاضَى مِنَ النَّاس بالفَائض، يأخُذ الفَائضَ منَ النَّاس بعدَما ماتَ صارَ الدُّخانُ يَطلَعُ مِن قَبره، صَاروا أهلُه يَذهَبُونَ إلى المشايخ فيقولونَ لهم خُذُوا جماعةً يَقرأونَ القُرآنَ على قَبره فظَلَّ هذَا الدّخَانُ سَبعةَ أيّام والنّاسُ يقرأونَ لهُ على قَبره، عندَ القَبر، بعدَ سَبعَةِ أيّام انقَطَع هذَا الدُّخَانُ، بعضُ النَّاسِ اللهُ تَعالى يَكشِفُ أمرَهم ليَكُونُوا عِبرةً وأكثرُ الخَلق اللهُ تَعالى يَستُر ما يَحصُل لهم عن أعيُنِ النَّاس، وهم على حَالَةٍ سيّئةٍ، أكثرُ النَّاس هكذا لكنّ اللهَ يَستُر في الدّنيا، لأنّه لو كانَ كلُّ إنسانٍ يموتُ كافرًا تَظهَرُ عليهِ حَالةٌ سيّئةٌ، نَوعٌ مِن أنواع العذاب أوّلَ ما يُدفَن كرؤيةِ الثّعبان وظُهُورِ الدُّخَان مِنَ القَبر وغَيرِ ذلكَ مِنَ الأشياءِ التي هيَ مخَوِّفَة، لو كانَ كلُّ كافرٍ يَحصُل له هذَا ويرَاه النَّاسُ لكانَ إيمانُ النّاسِ عن غَيرِ غَيبٍ، عن مُشَاهدَةٍ، واللهُ تَبارك وتَعالى جَعلَ فَضْلَ المؤمنينَ بأنهم يؤمنون بالغَيب أي بأمرٍ لم يُحِسُّوا به، لم يُعَايِنُوه، هذه الجنَّةُ ما عَايَنّاها بَعدُ لكن نؤمنُ بها وكذلكَ جَهنّم، هذَا يُقالُ لهُ إيمانٌ بالغَيب، حتّى يكونَ الإيمانُ بالغَيب الله تَعالى يَستُر أكثرَ عذابِ أهلِ القبُور عن أهلِ الدُّنيا، لكن حتى يَعتَبرَ بعضُ النّاس يَكشِفُ أحوالَ بعض النَّاس، ماذا يَجري لهم عندَما يُدفَنُون، وهذا شَىءٌ كثيرٌ لو تُتُبِّعَ لكانَ مجلَّدَات عدِيدة،.فلذلكَ أهَمُّ الأمور للعِناية بها المحافظَةُ على الإيمان أي أن يتجَنّبُ الإِنسان الكفرَ القوليّ بحيثُ إنّه يُمسِكُ لِسَانَه مهما غضِبَ ومَهما تضَايقَ ومَهما أصابَتْه فاقَةٌ وفَقرٌ وضِيقٌ، يحفظُ نَفسَه مِن الكفر، بعضُ النَّاس الذين يَعمَلُونَ في المطَابع يَرُصُّونَ المصاحف أو غيرَها مِن كتُب الشّرع، يَدُوسُونَها بأقدَامِهم بعَمَلِهم هذَا، يَكفُرونَ باللهِ مِن أجلِ هذَا الرّاتِب الذي لا يَجعَلُهم سُعداءَ في الحياةِ الدّنيا، يَكفُرونَ مِن أجلِ المال القَليل، انظُرنَ إلى أيّ حَدٍّ الإيمانُ عندَهم رَخيص، الدِّين عندهُم رَخِيص، لا يُبَالُونَ إنْ كفَرُوا باللهِ تَعالى، ثم مِن فسَادِ قلُوبِ كثِيرٍ منَ النَّاس لا يَعتَبِرُونَ هذَا كفرًا. هذَا مِنَ الكفر الفِعلِيّ وأمّا الكفرُ اللّسانيّ فهو أكثرُ وأكثَر، بَعضُ مَن يَنتَسِبُ إلى الإسلام يَكفُرونَ أحْيانًا مِن أجلِ مُسَايَرةِ بعضِ الكَافرِينَ. أحيانًا يقولونَ للكافِر في أثناءِ كلامِه الذي هوَ كفرٌ صريحٌ كلامُكَ صَحِيحٌ، فالذي قالَ لهُ صَحِيحٌ كفَر بالله. فالحاصِلُ أنّ أسبابَ الكفرِ كثِيرةٌ، الله تَعالى يَحْمِيْنا ويَحفَظُنَا ويُسَلّمُنا، اللهُ يَحفظُ ألسِنَتنا وجَوارحَنا وقلُوبَنا منَ الكفر، ثم لوَ كانَ لا يكونُ الرّجلُ كافرًا إذا نطَق بالكفر إلا بما يَعلَمُ أنّه كُفْر لكانَ الأمرُ هَيّنًا لكن كثيرٌ مِن أنواع الكفرِ يَكفُرُهُ الشّخصُ وهوَ لا يراه كفرًا، لا يَراه خُروجًا مِن الإسلام لكن العلماء الفقهاءَ المعتَبرين أهلَ الاجتهادِ ومَن سار على مِنْوالِهم عندَهم لا خِلاف أنّ الإِنسانَ إذا تكَلّم بكفريّةٍ أو فعَل فِعلاً كُفريًّا أنّه يَخرج منَ الإسلام ولو لم يَعلَم هذَا الإِنسانُ أنّهُ خرَج بهذا الفِعلِ أو بهذا القَولِ منَ الإسلام. قالوا الإِنسانُ قَد يَخرُج مِنَ الإسلام وهوَ لا يَعلَمُ أنّه قَد خرَج، هكذا قالَ أهلُ الحقِّ منَ الأئِمّة، وأمّا قولُ بعضِ الجهَلة وقولُ بعضِ الذين يَدّعونَ العِلمَ إنّ الإِنسانَ لا يَخرُج منَ الإسلام إذا قالَ كلِمةً كفريّةً وهوَ لا يَعرف أنها كفرٌ لأنّه لم يقصد الخروجَ مِن الإسلام فهؤلاء كُفّار.الإِنسانُ يَخرُج منَ الإسلام بكفريّةٍ منَ الكفريّات، سواءٌ كانَ يَعرف الحكمَ أي أنّه يَخرُج منَ الإسلام بهذه الكلمةِ أو كانَ لا يَعلَم، في الحَالَين يَكفُر لأنّ اللهَ تَبارك وتَعالى فرَض على عبادِه الذُّكُور والإناثِ أن يتَعَلَّمُوا أُمورَ الدِّين وما يُخرج الإِنسانَ مِن الدِّين كما فرضَ علَيهم أن يتَعلَّموا الأكلَ الحلالَ والأَكْلَ المُحَرَّم، ما كلُّ ما يؤكَلُ حلالٌ وما كلُّ ما يُشرَبُ حَلالٌ وما كُلُّ ما يُلبَسُ حَلالٌ وما كلُّ مالٍ حَلال، بل الله تبارك وتَعالى جَعَل منَ المال ما هوَ حَرام، ومنه ما هوَ حَلال، ومنَ المأكل ما هوَ حَلالٌ وما هوَ حَرام ومِنالمشرب كذلكَ ومِنَالملبسكذَلك. يكونُ الملبَس حرامًا إذَا كانَ الرّجُل يَلبَسُ الحريرَ البلَدِيَّ الأصليَّ، ليسَ هذَا الحريرَ الاصطِناعيَّ هذَا للرّجَال حرَّمَه اللهُ وأحَلَّهُ للنّساء، كذلكَ التّحَلِّي بالذَّهَب حَرّمَه اللهُ على الرّجال، كذلك حرّمَ اللهُ تَعالى مِنَ الشّرابِ مَا هوَ نجِسٌ كالمُسْكراتِ والمسكِراتُ لها طَريقَةٌ يُعرَفُ بها أنها صَارت خمرًا حَرامًا، كذلكَ الشّىءُ الذي يُنْقَعُ أو عَصِيرُ العِنَبِ مثلاً إذا عُصِرَ وتُرِك برهةً مِنَ الزّمن يَغلي، بدُون نارٍ يَغلِي، إذا سُدَّ الإناءُ يَغلي فيَرتَفِعُ، هنا صارَ حَرامًا قبلَ ذلكَ كانَ عَصيرًا حلالا لأنّهُ قَبلَ ذلكَ لا يُسْكِر إنّما يُسْكِر بهذا الغَلَيان، متى ما غَلَى وارتَفَع صارَ حَرامًا لأنّهُ مَبدَأُ الإسْكار، مَبدَأ الخَمريّة هو هَذَا الغَلَيان، العَسَلُ إذا وُضِعَ فيه ماءٌ وتُرِكَ أيّامًا وسُدَّ فَمُ الإناءِ يَصِيرُ خَمرًا، مِن غَيرِ أن يُخلَط به شَىءٌ يَصِيرُ خَمرًا لما يَغلِي، في البلادِ الحَارّة في ظَرفِ خمسَةِ أيّام يكونُ خَمرًا، العَسَلُ إذا خُلِطَ بالماء ووُضِعَ وشُدَّ فَمُ الإناءِ وتُرِك خمسَة أيام أو سَبعة أيام يَصيرُ خمرًا، أمّا في البلاد الباردة يتَأخّرُ، الحاصلُ أنّه مَتى ما غلَى بدونِ نارٍ يَصِيرُ خَمرًا، وهذا الخمرُ يَطلَعُ لهُ صَوتٌ لما يَغلِي يُقالُ لهُ النَّشِيْش، في اللغة العَربيّة يُقالُ نَشَّ الشَّرَابُ يَنِشُّ نَشِيْشًا، معناهُ طَلَعَ لَهُ صَوْتٌ. هذا النّشيشُ أوّلُ الخمرِ بَعدَ ذلكَ يَصيرُ رَائقًا، يَنزلُ ويَرجِع إلى حيثُ كانَ عندئذٍ يُحبُّه النّاسُ شَرَبَةُ الخمُور، ويَبقَى هذَا الشّرابُ خَمرًا إلى أيّامٍ طَويلةٍ إلا أنّه بعدَ مُدَّةٍ نحوِ أربَعِين يَومًا يتَغيّر طعمُه يصيرُ حَامضًا فلا يَصلُح للإسكار بعدَ ذلك مَهما شُرِبَ منهُ، صارَ خَلاًّ لا يُسْكِرُ فَسَدَ عن الخَمرِيَّة، والخَلُّ يُعرَفُ بالحُمُوضَة، الخمرُ طَعمُها مُرٌّ، فيها مَرارةٌ لكن أولئكَ يَستَلِذّونَها مع ذلكَ.الأشياءُ الظّاهرةُ عندَ النَّاس أنها حرَام كالسّرقة مَن استَحلَّها كفَر، فلو سرَق إنسانٌ وقال أنا كنتُ جَاهلا أنّها حرامٌ الآنَ تعَلَّمتُ لا يُقالُ لهُ ما عليكَ شَىء، كذلكَ هذه الكفريّاتُ التي يَجهَلُها كثيرٌ منَ النَّاس مَن وقَع فيها لا يُقال إنّه ما عليهِ شَىءٌ لأنّهُ جَاهلٌ بأنّها كُفرٌ، لا بُدّ مِن أن يَرجِعَ عن تلكَ الكفريّة إلى الإسلام بالشّهادتَين. إنْ كانَ لا يَعلَمُ أنها كفرٌ مِن شِدّة جَهله فقالها يُقال له هذَا كفرٌ ارجِع عنه وتشَهّد فإن قال أنا كيفَ أَكفُر لأنّي نطَقتُ بهذه الكلِمةِ وكنتُ قبلَ هذا منذُ زَمانٍ طَويلٍ على الإسلام الآنَ لمجَرّد هذه الكلمةِ أكونُ خَرجتُ مِن الإسلام يُقالُ لهُ نَعم خَرجتَ مِن الإسلام بهذه الكلمةِ فلا يَنفَعُكَ جَهلُكَ تشَهّد اعتقِدْها كُفرًا وتشَهّد فإن قبِلَ فلِنَفْسِه وإن لم يَقبَل فعلَى نَفسِه، هوَ ضَرَّ نَفسَه، إيّاكُنّ أن تَسمَعْنَ لمن يقولُ الذي يتكَلّم بالكفر ولا يَدري أنّه كُفرٌ ما عليهِ شَىءٌ، هؤلاء شَياطينُ الإنس العلماءُ المعتَبَرونَ المجتهدونَ والذينَ على سَنَنِ العلَماءِ المجتَهِدين، متّفقونَ على أنّ الإِنسانَ إذا تَكلّمَ بكفريّةٍ خَرج منَ الإسلام لو كانَ جَاهلا بالحُكم، لو كانَ جاهلا أنّ هذه الكلمةَ مَن قَالَها خَرَجَ مِن الإسلام.