قال شيخنا رحمه الله
الحمدُ للهِ ربّ العالمين والصلاةُ والسَّلام على سيدنا محمَّدٍ أشرف المرسلينَ وعلى جميع إخوانِه منَ الأنبياءِ والمرسَلِينَ أمّا بعدُ فبالسَّندِ إلى الإمام الحافظ أبي جعفر الطّحاوي قال رحمه الله “*الحمدُ لله ربّ العالمين هَذا ذِكْرُ بيانِ عَقِيْدَةِ أَهْلِ السُّنَّة والجَمَاعَة على مَذْهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّة أبي حنيفة النُّعمانِ بنِ ثابتٍ الكوفيّ وأبي يوسُفَ يَعْقُوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاري وأبي عبدِ اللهِ محمَّدِ بنِ الحسَنِ الشّيباني رِضوانُ اللهِ عليهم أجمَعِين وما يَعتَقدونَ مِن أصُولِ الدِّين ويَدِيْنُونَ به لِرَبِّ العَالَمِيْن*”.أهلُ السُّنَّة والجَمَاعَة هم الصّحابَةُ ومَن تَبِعَهُم في المعتقَد وإن خَالَفُوا مُخَالَفةً كبيرةً في الأعمالِ فمَن اتّبَع الصَّحابة في العَقائد، في أصولِ الدِّين يُعَدُّ مِن أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة ولَو كانَ مِن حَيثُ الأعمالُ مُقَصِّرًا إلى حَدٍّ كَبِير، أمّا مَن خَالفَهُم واتّبَع ما أُحْدِثَ بَعدَهُم، أي بَعدَ الصَّحابة، أي ولو كانَ في حياةِ كثِيرٍ منهم فهوَ ليسَ على عقيدةِ أهلِ السَّلَف، الصَّحابَةُ كانوا على مُعتَقدٍ واحدٍ، لم يَكن بينَهُم اختِلافٌ وإن اختَلَفوا في الأحكام الفَرعيّة، حصَل بَينَهم اختلافٌ في الأحكام الفَرعيّةِ في بعضِ أحكام الصّلاة وبعض مسائلِ الطّهارَة وفي بعضِ مسَائِل الزكاةِ وفي بَعضِ مسَائِل الصّيام وفي بَعضِ مسَائلِ الحَجّ ونَحوِه، أمّا في العقائِد فلم يكن بينَهمُ اختِلاف، ثم حدَث مُخَالفَةٌ لهم في العقائدِ، وأوّلُ مَا حَدثَ مِن ذلكَ في أيّام سيّدنا عليّ، في عَهدِه، بَعضُ النَّاس الذين لم يكونُوا مِنَ الصَّحَابة إنما هم مِمّن جاءَ بَعدَ الصَّحابة قالوا إنّ الخِلافَة كانت لعَلِيٍّ لكن تقَدَّمَ عليه هؤلاء الخلَفاء الثّلاثةُ بغَيرِ حَقٍّ، وعقيدةُ الصَّحابةِ كُلِّهم أنّ أبا بَكر أخَذ الخِلافَة بحَقٍّ وعمرَ وعثمانَ كذلكَ ثم عليٌّ أخذَها بحَقّ هذَا مُعتَقدُ الصَّحابةِ فمَن خَالَف هذَا المعتَقدَ لا يُسَمَّى سُنِّيًّا، لا يُعَدُّ مِن أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة، هذَا يُقالُ لهُ بِدْعِيٌّ، اسمُه بِدعِيٌّ، هذَا كمَن يَخرُج ببِدعَتِه عن الإسلام إلى خَارجِ دائرةِ الإسلام، أمّا مَن خَرج إلى خَارج دائرة الإسلامِ هذَا لا يُسمَّى مُسلمًا لكن هو يَنتَسِبُ إلى الإسلام، أمّا هوَ في الحقيقةِ فلا يُسَمَّى مُسلِمًا، لأنّ ما خالَف النَّاسُ فيهِ الصَّحابةَ في المعتَقَد قِسْمان قِسمٌ لا يؤدّي إلى الكُفر وقِسمٌ يؤدّي إلى الكفرِ، فمَن خَالَف الصَّحَابةَ في المعتَقَد بما يؤدّي إلى الكفر هذَا يُقال لهُ مُنتَسِبٌ إلى الإسلام لا يُقالُ له مُسلِمٌ، أمّا مَن خالفَهُم في العَملِ كأن قَصّرَ في العَملِ عمّا كانوا عليهِ واستَرسَل في المعاصي وضَيَّع الواجِبات لكن لم يصلْ إلى حَدّ التّكذيب فهذا يُقال له مُسلِمٌ عاصِي، مؤمنٌ مُذنِبٌ،. فهذا الكتابُ عمِلَه أبو جَعفَر الطّحاويّ لبَيانِ عقِيدَة أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَةِ وإنّما ذكَر الفُقهاءَ الثّلاثةَ أبا حنِيفةَ وأبا يُوسُفَ يَعقُوبَ بنَ إبراهيمَ الأنصاريّ وأبَا عبد الله محمد بنَ الحسَن الشّيبانيّ صَاحب أبي حنيفةَ لأنّ الطّحَاويّ كانَ في الفُروع على مَذهب أبي حنيفة، وفي المعتَقد كانوا هم على معتَقد الصَّحابةِ والتّابعِينَ فلَم يَخرُجوا عن ذلك، نصَّ على هؤلاءِ الثّلاثةِ بتَسمِيَتِهم ولم يَنُصَّ على الآخَرِينَ مع أنّه ليسَت هذه العقيدةُ خَاصّةً لهؤلاء فقَط أي أبي حنيفةَ وصاحِبَيه بل عقيدةُ كُلّ أهلِ السُّنّة الصَّحابةِ ومَن اتّبعَهُم في المعتقَد، ثم هذَا الإمامُ أبو حنِيفةَ كانَ شُهِرَ بالكَلام في العقِيدَةِ مع المخَالفِينَ الشّاذّينَ الذينَ حَادُوا عمّا كانَ علَيه الصَّحابةُ مِنْ مُعتَزِلَةٍ ورَوافِضَ ومُرجئةٍ وغَيرِهم حتى المعطّلِين الملحِدين الذين لا يَستَقِرّونَ على دِين كانَ هوَ يتَكلَّم مَعهُم لإفحَامِهم لإحْقاقِ الحقّ وإبطالِ البَاطِل فعُرفَ بذلكَ حتى إنّه كانَ تَردَّدَ مِنَ البَصْرةِ إلى الكوفةِ، هوَ مُستَقرُّه البَصرة، تَردَّد من بغداد إلى البصرة مع أنّ ما بَينَ بَغدادَ والبَصرة مسَافةٌ طَويلة، تَردّد لإفحام هؤلاءِ أكثرَ مِن عِشرينَ مرَّة، يتَكلَّف مشَقّاتِ السَّفر يَذهَبُ إلى هناك فيَكسِرهم ويَقْمَعُ ضَلالاتهم وبِدَعَهم ثم يعُود فكانَ لهُ اشتِهارٌ بالكلام مع المخَالفِينَ لأهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة أكثرَ ممّا صَار لغَيره كالشّافعِيّ ومَالِك وأحمدَ بنِ حنبل، وكانَ كلُّ واحِدٍ مِن هؤلاء وأمثالهم يرُدُّونَ على أولئك لكن لم يَشتَهِروا بذلك اشتهارَ أبي حنيفة.بعضُ شُرَّاح هذَا الكتابِ يقولُ بعدَ كُلّ جملةٍ يفَسّرُها، بعدَ كُلّ قِطعَةٍ يُفَسّرُها مِن هذَا الكتاب قالوا يعني الثّلاثةَ لأنّ هذَا ليسَ أمرًا خَاصًّا بأبي حنيفةَ إنّما هو أمرٌ مُنَسَّقٌ على حسَب تَعبِيرِ هؤلاء الثّلاثةِ وإنْ كانَ المعنى مُشتَركًا بينَ جَميع أهلِ السُّنَّة.قال رحمه الله: “*نَقُولُ في تَوحِيدِ اللهِ مُعتَقِدينَ بتَوفيقِ الله إنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ لهُ ولا شىءَ مِثْلُه ولا شَىءَ يُعْجِزُه ولاَ إلهَ غَيْرُه قَديمٌ بلا ابتداءٍ دَائمٌ بلا انتِهاء لا يَفْنَى ولا يَبِيْدُ ولا يَكُوْنُ إلاَّ ما يُرِيْد لا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ ولا تُدْركُهُ الأَفْهَامُ ولا يُشْبِهُ الأَنام*”.قولُه مُعتَقدينَ يعني بذلكَ أنّ القَولَ وَحْدَه لا يَكفِي عندَ اللهِ، لا يَكفِي القَولُ وَحْدَه، القَولُ بعَقائِد أهلِ السّنّة لَفظًا بدونِ اعتِقادٍ لا يَكفِي لكنّه عندَ البشَر إنِ اعتَرف بالشّهادتَين ولم يَظهَرْ مِنهُ ما يُنَاقِضُهُما فهوَ مُسلمٌ ولو كانَ قَلبُه على غَيرِ ذلكَ، على خِلافِ ذلك، عندَنا مُسلِمٌ أمّا عندَ الله ليسَ بمسلِم لأنّ صِحّةَ الإسلام متَوقّف على الاعتقادِ فمَن نطَق بالشّهادتَين وصَدَّق بقَلبِه وأَذْعَنَ أي قَبِلَ مَعناهما فهذا مُسلِمٌ عندَنا وعندَ اللهِ، أمّا مَن نَطَق بهَاتَينِ الشّهادتَين ولم يُذْعِن في نَفسِه بمَعناهُما، أي لم يَعتقد ويَقبل فهو عندَنا مُسلِم وأمّا عندَ اللهِ فلَيسَ بمسلِم هذَا ما لم يَظْهَرْ منهُ ما يَدُلُّ على ما يُضْمِرُه مِن تَكذيبِه للشّهادتَين مِن حيثُ المعنى فإنْ ظهَر منهُ ما يَدُلّ على تَكذيبِه لمعنى الشّهادتَين عندئذٍ عندَنا أيضًا صارَ كافرًا كما هوَ عندَ اللهِ كافرٌ، أمّا ما لم يُظهر وكانَ يقولُ الشّهادتَين فنَحن نَعتَبرُه مسلمًا، نقولُ هو مسلمٌ عندَنا واللهُ أعلَمُ بِسَرِيْرَتِه إنْ كان باطنُه مسلِمًا فهوَ مسلِمٌ عندَنا وعندَ الله وإلا فهوَ مسلِمٌ عندَنا أي في ظَاهرِ الحالِ أمّا عندَ اللهِ فلَيسَ مُسلِمًا، هكذا نَعتقدُ. هذَا عبدُ الله بنُ أُبَيّ بنِ سَلُوْل مع ما ظهَر منه بعضَ المرّاتِ مِنَ الكفر لكنْ ما كانَ يَعترف على نَفسِه بما يُنْسَبُ إليهِ كقولِه لَئِن رَجَعْنا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ”، لكن مع ذلكَ يَتَبرّأ ظَاهرًا مِمَّا نُسِبَ إليه ويُصَلّي خَلفَ الرَّسول ويَحضُرُ الجمَاعَةَ ولا يُظهِرُ شَيئًا مما يُخالِفُ عَقِيدَة الشّهادتَين على المَلأ، الرَّسولُ كانَ عندَه احتمالٌ عندَ وفَاته، كانَ عندَه احتِمالانِ احتِمالٌ أنّه لم يزَل على اعتِقادِه أي عدَم قَبُولِه للإسلام في قَلبِه (كما نُسِب إليه،ولم يجزم بكُفره لأنّهُ لم يَثبُت عندَ الرّسولِ كفرَه) واحتِمالٌ أنّه زَالَ عنهُ ذلكَ الشّكُّ واعتقَدَ اعتِقادًا، لذَلكَ وقَف يُصَلّي عليهِ(لأنّ ظًاهرَ حَالِه أنّه كانَ مُسلِمًا)، ثم بعدَ ذلكَ نزَلَت الآيةُ التي بيَّنَت أنّه لم يزَل على نِفَاقِه أي أنّه ما أَذْعَن بمعنى الشّهادتَين، لأنّ الشّهادتَين فيهما إذعانٌ وفيهِما ما يَدُلُّ على قَبُولِ كُلِّ ما يَتْبَع هَاتَينِ الشّهادتَين مِن الاعتِقاديّاتِ والأحكام، مَن قالَ أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأشهَدُ أنّ محمَّدًا رسولُ الله كأنّهُ قال بالتّفصِيل كُلَّ ما يجبُ منَ العقائد لأنّه اعترَف بكُلّ ما جاءَ بهِ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم. ثم قال: “*نقُول في تَوحِيدِ اللهِ مُعتَقِدينَ بتَوفيقِ الله*” هنا ثلاثةُ أمُور الأوّلُ تَوحيدُ اللهِ الثّاني الاعتقادُ الثّالثُ التّوفيقُ، التّوحيدُ هوَ إفرادُ اللهِ تَعالى بالعِبادَةِ أي عَدَم إشراكِ شَىءٍ به، أمّا الاعتقادُ فهوَ إذعَانُ النَّفسِ أي قَبُولُ النَّفس بمعنى الشّهادَةِ لأنّ بعضَ النّاسِ كانُوا يَعرفُونَه ومَع ذلكَ يُنكِرُون، يَقولونَ ليسَ رَسُولا ( )، هؤلاء ما أَذعَنوا، نفُوسُهم ما أذعَنت أي ما قَبِلَت، الاعتقادُ النّافعُ عندَ الله تبارك وتَعالى هوَ التّصديقُ مع الإذعَان أي قَبُولِ النّفسِ للإيمان، والأمرُ الثّالثُ هوَ التّوفيقُ ومعنى التّوفيق هوَ خَلْقُ قُدرَة الطّاعَة في العَبد، اللهُ تَبارك وتَعالى هوَ الذي يَخلُق قُدرَةَ الطّاعَةِ في العَبد، هوَ الذي يُلهِمُ الإِنسانَ الإيمانَ والإذعانَ والتّصديقَ وهوَ الذي يُقَدِّرُ العَبدَ على العَملِ بالجَوارح على الصّلاةِ وغَيرِ ذلك، معنى كلام المؤلّف أبي جَعفر أنّنا بتَوحِيدِنا للهِ تَعالى مع الاعتقادِ فاللهُ تَبارك وتَعالى هوَ الذي تَفَضّلَ علَينا وتَكرَّم بأنْ جعَلَنا على هذه الحالِ ولَولا خَلقُ اللهِ فِينا ذلكَ أي النّطق والاعتقاد والإذعان ما حَصَل، هذَا فيهِ تَسلِيمٌ للهِ تَبارك وتَعالى بأنّهُ لا يَحصُل للعَبدِ شَىءٌ مِنَ الخَير إلاّ بِعَوْن الله، إلا بتَوفيقِ الله، أي بخَلقِه، القُدرَةُ في العَبدِ على ذلكَ الخَير، على ذلكَ العَملِ الصّالح إن كانَ قَلبِيًّا وإنْ كَانَ جسَديًّا، يقولُ نقُولُ في تَوحيدِ الله أي في إفرادِه بالعِبادة وعَدم الإشراكِ بهِ وتَنـزيهِه أي عن تَشبِيهِه بغَيرِه وذلكَ بتَوفيقِ اللهِ تَعالى، إنّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ لهُ، الواحِد والأحَدُ قالَ بعضُ الفقهاءِ بمعنى واحِد، وقالَ بَعضٌ الواحِدُ هوَ الذي لا شَريكَ لهُ في الألُوهيّةِ أي لا ثانيَ لهُ، وأمّا الأحَدُ فهوَ الذي لا يَقبَلُ الانقِسَام، ليسَ كغَيرِه مِنَ الأجرام لأنّ الأجْرامَ تَقبَلُ الانقِسام.قال رحمه الله: “*ولا شَىءَ مِثلُه ولا شَىءَ يُعجِزُه ولا إلهَ غَيرُه قَديمٌ بلا ابتداءٍ دائمٌ بلا انتهاءٍ لا يَفنى ولا يَبِيدُ ولا يَكونُ إلاّ ما يُريد*”الشرح: قال رحمه الله: “*لا تَبلُغُه الأوهَام*” الوَهمُ لا يَبلُغ اللهَ تَعالى، التّصَوُّر أي تَصوُّرُ الإِنسانِ لا يَبلُغ اللهَ تَعالى لأنّ الأوهامَ تَبلُغ ما لهُ شَبَهٌ مَألُوفٌ في المخلُوقَاتِ، فالشّىءُ الذي يُشبِهُنا ولَو بوَجهٍ واحِدٍ الوَهمُ يَبلُغُه أمّا الشّىءُ الذي لا يُشبِهُنا ولا بوَجْهٍ مِنَ الوجُوه الوهمُ لا يَبلغُه، قال الإمامُ ذُو النُّونِ المصري: مَهما تَصوَّرتَ ببالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلكَ ومِثلُ ذلكَ نقَلَ عن الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبَل أنّه قالَه. وذُو النّون المصري أقامَ بالعِراق مُدّةً ثمّ سكَنَ مِصرَ حتّى تَوفّاهُ الله، وكانَ مِن تاريخ بَعضِ الصَّحابَةِ والتّابعِين وأتباعِ التّابعِين أنهم سكَنُوا العراقَ واستَقرُّوا فيها أو خَرجُوا عنها إلى غيرِها فكانَ الإمامُ ذو النّون المصري مِنَ الذينَ دخَلُوها وأقامُوا فيها ثم خَرجُوا منها، قال رَضيَ اللهُ عنهُ مَهما تصَوَّرتَ ببَالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلكَ كذلكَ هذَا النّصُّ مَنقُولٌ عن الإمام أحمَد، وهذا مفهومٌ مِن قولِ اللهِ تَعالى: ((ليسَ كمِثلِه شَىء))، ليسَ شَيئًا لا صِلةَ لهُ بالقرآن إنما هوَ مأخوذٌ منَ القُرآن، ((ليسَ كمِثلِه شَىء)) كلمة شَىء تَشمَلُ كلَّ مَا دخَلَ في الوجُود مِن إنسانٍ ومَلائكةٍ وجِنّ ورُوح وهَواء ونَوم وظُلمَةٍ وغَيرِ ذلكَ مِن أصنافِ المخلوقَات وأنواعِها، كُلُّ هذَا شَىء كلمةُ شَىءٍ تَشمَلُ هذَا كُلَّه، فالله يُخبرُنا بأنّهُ لا شَىءَ مِنَ الأشياءِ أي لا شَىءَ دخَل في الوجُودِ يكونُ مُشَابهًا للهِ تَبارك وتَعالى بوجهٍ منَ الوجُوه، هذَا المعنى إذا حُلَّ أو سُبِق بعِبارَةٍ أُخرَى يَأتي هكذا مهما تَصوّرتَ ببالِكَ فاللهُ بخِلاف ذلك.الله تَعالى نهانا عن التّفَكُّر في ذاتِه، لا يجُوز التّفَكّر في ذاتِ الله، إنّما التّفَكّر في المخلوقاتِ يكونُ، نتَفَكّرُ في هذه الأرض التي تحمِلُنا نتفَكّرُ في هذه السّماءِ التي تُظِلُّنا، لأنّ كُلَّ هذَا دليلٌ نصَبَه اللهُ تَعالى، هذه المخلوقات وجودُها دليلٌ على وجُودِ إلهٍ خَالِقٍ موصُوفٍ بالحياةِ والعِلم والقُدرَة والسّمْع والبصَر، هؤلاء الأوروبّيونَ أقفَلَ اللهُ قلُوبَهم.قال رحمه الله: “*ولا تُدركُه الأفهامُ*” أي أن العقولَ لا تُحيطُ به لأنّ الإحاطَةَ تَستَلزمُ تَكيِيفَ الشّىءِ واللهُ تَعالى مُنَـزّهٌ عن التّكيِيفِ، أي الهيئَة.قال رحمه الله: “*ولا يُشبِهُ الأنامَ*” الأنامُ همُ الخَلقُ، لا يُشبِهُ اللهُ تَعالى الأنامَ لا في ذاتِه ولا في صِفاتِه ولا في أفعالِه. واللهُ تَعالى واجِبُ الوجُودِ أي لا يَقبَلُ الانتفاءَ أمّا هذَا العَالَم فلَيسَ واجِبَ الوجُودِ عقلا،واللهُ سُبحَانَهُ وتَعالى وجودُه ذاتيّ أمّا وجودُ غَيرِه فهوَ حَادثٌ. واللهُ تَعالى مَوصُوفٌ بصفاتٍ أزَليّةٍ أبَديّةٍ لا تُشبِهُ صفاتِ غَيرِه، ويُقالُ نُعُوتُ الله بمعنى صفات الله.قال رحمه الله: “*قَيُّومٌ لا يَنام*” ومعنى القَيُّوم أي الدّائم الذي لا يَزُول. وقوله رحمه الله: “*حيّ لا يموت*” المعنى أنّ الله تَعالى موصوفٌ بحَياةٍ أزليّةٍ أبديّةٍ ليسَت برُوحٍ ولحم ودَم.