قال شيخنا رحمه الله
الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرَّحيم والملائكة المقرّبين على سيّدنا محمَّد أشرف المرسلين أما بعد فإن الله تبارك وتَعالى أوحَى إلى نبيّهِ فكان ممّا أوْحَى إليه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: “*إِنَّ اللهَ فَرَضَ فرائِضَ فلاَ تُضَيِّعُوْها وَحَدَّ حُدُوْدًا فلا تَعْتَدُوْها وحَرَّمَ أشْيَاءَ فلا تَنْتَهِكُوْها*” الحديث، هذَا الحديث صحيح رواه التّرمذِيُّ وغيرُه، هذَا الحديثُ يُبَيّن لنا أن الإِنسانَ لا يؤاخَذُ يَومَ القيامةِ إلا بتَرك الفَرض أو بارتكاب ما حَرَمَّ الله أمّا ما سوى ذلك فلا يؤاخَذُ عليه الإِنسان، الذي يؤاخَذُ عليه الإِنسانُ هوَ تَركُ ما فَرضَ اللهُ تَعالى مِنَ الفُروض الدّينيّةِ كالصّلواتِ الخمس ومنَ الصّيام صيامِ رمضانَ ومِن الحقوق الماليّةِ الزَّكَاة، أمّا تَارك السُّنَن غيرِ الفرائض فلا يُعَذّبُ يومَ القِيامة، وجاء بيانُ ذلكَ في حديثٍ آخر رواه البخاريُّ رحمه الله في كتاب الصّيام مِن صحِيحِه أنّه جاءَ رجلٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسَألَه، قال للرسول أخبرني بما افترضَ اللهُ عليَّ منَ الصّلاةِ قال له “الصّلَواتُ الخمس” قالَ هل علَيَّ غَيرُها قال” لا إلاَّ أن تَطَّوَّع” ثمّ قالَ أَخبرني بما افتَرَض اللهُ عليَّ منَ الصّيام قال “صِيامُ شَهرِ رمضانَ” قال هَل عليَّ غيرُه قال “لا إلاَّ أن تَطَّوَّع” ثم أخبَرَهُ بشَرائع الإسلام أي علّمَهُ كلَّ شىءٍ هو فَرضٌ وكُلَّ شىءٍ هوَ حَرام ثم هذَا الرَّجُلُ ذهَب مِن عِندِه وهو يقولُ والذي أكرَمَك أي أحلِفُ باللهِ الذي أكرمَك بالنّبُوةِ والرّسَالة، أحلِفُ بالله لا أتَطَوَّع ولا أنقُص ممّا افتَرضَ اللهُ عليَّ شيئًا، حَلَف أنّه لا يُصَلّي السُّنّة ولا يَفعَلُ شَيئًا مما هو سنّة ولا يَصومُ النّفلَ، لا يأتي بغَير الصّلواتِ الخمس وصيامِ رمَضان أي وما بقيَ مِن الفرائض التي فرضَها اللهُ. فقال الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم “أفْلَحَ الرّجُلُ إنْ صَدَق” معناهُ هذَا الرّجلُ منَ النّاجِينَ في الآخِرة، ليسَ عليهِ شَىءٌ إنْ صَدَق أي إن وَفَّى بما قال أي إنْ أدّى الفرائِضَ كُلَّها واجتَنبَ المحرَّمات. هذَا دليلٌ واضِحٌ على أنّ الإِنسانَ إذا صلَّى الفرائضَ الخمسَ ولم يُصَلّ سنّةَ الظّهر ولا سُنَّةَ العَصرِ وسُنّة المغرب ولا سُنّةَ العِشاء ولا سنةَ الصُّبح ليسَ عليهِ مؤاخذَةٌ في الآخِرة، هذَا الحديثُ يُكذّب هؤلاء المفتَرِين على الدِّين الذينَ يَفتَرونَ على رسولِ الله، مرّةً قالَ أُناسٌ الذي لا يُصلّي السُّنَّة كافرٌ فأرسَلتُ لهم هذَا الحديثَ معَ شَخصٍ ليدْحضَ باطِلَهُم، ليُظهِرَ كذبَهُم على شَريعةِ الله، كثيرٌ مِن هؤلاء يقولونَ الذي لا يصلّي السُّنَّةَ قالَ الرَّسولُ فيه ليسَ مِن أُمّتي يَروُونَ هذَا الحديثَ بلَفظِ: مَن لم يُصَلّ سُنّتي فلَيسَ مِن أُمَّتي”، انظُرنَ كيفَ ركَّبوا هذَا اللفظَ الكاذبَ، لعَنَ اللهُ مَن قالَ هذَا، لَعنَةُ اللهِ عليه لعَنَات مُتَواليَة لأنّه افتَرى على رسولِ الله افتراءً كبيرًا ليسَ افتراءً خَفيفًا وآخَرُونَ يقُولونَ: مَن لم يُصَلّ السُّنَّة يُقابلُ رسولَ الله يومَ القيامةِ وليسَ على وَجْهِه لحمٌ”، وهَذا كذِبٌ لَعنَ اللهُ مَن افتَراه، ويقولونَ قَولا ثالثًا وهو: مَن لم يُصَلِّ سُنَّتي لم تَنَلْهُ شفَاعَتي، هذه الكَذْبَةُ الثّالثَة، هذه الأكاذِيبُ الثّلاثَة، فإذا سمِعتُنّ إنسَانًا يَذكرُه فواجبٌ الرّدُّ عليه يُقَال له لم تَفتري على الرَّسول، الرَّسولُ قالَ للرّجُل الذي قالَ ماذا افتَرض اللهُ عليَّ منَ الصّلاةِ خَمْسُ صَلواتٍ ثم حلَف الرَّجُلُ أنّه لا يُصَلّي السُّنَّةَ ولا يَنقُصُ منَ الفَرضِ شَيئًا، قال الرَّسولُ أفلَحَ الرَّجُلُ إنْ صَدَق، وفي لَفظٍ “دخَلَ الجنَّةَ إن صدَق“رواه البخاري والطبراني، إذا كانَ الرَّسولُ لم يُوبّخْهُ في الدُّنيا في الآخِرَةِ يُوبِّخُهُ، التّوبيخُ هنا يَنفَعُ يَندَمُ فيَتدارَكُ ما أفسَدَ قبلَ أن يموتَ، أمّا في الآخِرة ماذا يتَدارك، راحَ وَقتُ العمل، الدُّنيا هيَ وَقتُ العَمل هنا الإِنسانُ يتُوب، هنا الإِنسانُ يَعمَلُ الحسَنات تُكتَب له، وهنا يَعمَلُ السّيئات فتُكتَب عليه، إذا كانَ الرَّسولُ في وَجهِه لم يَقل له يا هذَا كيفَ تَحلِف أنّكَ لا تَعْمَلُ السُّنَّة إلا الفرائض، ما وبّخَهُ ولا عتَب عليه ولا قالَ لهُ أنتَ لا تنَالُ شَفَاعتي يومَ القِيامَة ولا قالَ لهُ أنتَ لَستَ مِن أُمَّتي ولا قالَ لهُ أنتَ تُواجِهُني يومَ القيامةِ وليسَ على وَجهِك قِطعَةُ لَحم، ما قالَ له، فمن أينَ تُرَكّبُون على الرَّسولِ هذه الأكاذيب، هكذا قُلْنَ لأعداءِ الدِّين.
غايةُ ما هنالك أنّ الفقهاءَ قالوا الذي يُواظِبُ (يُداوم) على تَرك السُّنَن إذا ذهَب إلى المحكمَة فشَهِدَ لإنسانٍ لا تُقْبَل شَهادتُه، هذَا الذي قالَهُ الفقهاء، ما قالوا شيئًا ممّا قالَهُ أولئك. كلُّ تلكَ الأكاذيبِ الثّلاث ما قالها أهلُ العِلم إنّما قالها أنَاسٌ يَدّعُونَ أنهم دَيّنون يفتَرونَ على الرَّسولِ، يجِبُ الحذَر مِن هذه الأكاذيب ويجبُ رَدُّ هذَا الكذب عن رسول الله، الذي يَسمَعُ شيئًا كذبًا على الرَّسول ويَرُدّ لهُ أجرٌ عظيمٌ عندَ الله، الذي يكذِّب ذلك المفتَري على الرَّسول ويقولُ الرَّسول ما قالَ هذَا الشّىء، ويُبَيّنُ الحقيقةَ لهُ أجرٌ عَظيمٌ عندَ الله،.